تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (92)

( قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ ) قال القتبي : قوله : ( لا تثريب ) أي لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتم . وقال بعضهم : ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ ) أي لا تنغيص عليكم .

وقيل أصل التثريب الإفساد ؛ يقال : ثرب علينا الأمر أفسده .

وقال أبو عوسجة : التثريب الملامة ؛ يقول : لا لوم عليكم في صنيعكم . وقال ابن عباس رضي الله عنه : ( لا تثريب عليكم اليوم ) أي لا أعيركم بعد هذا اليوم أبدا ، ولا أعيده[ في الأصل وم : أعبره ] عليكم .

وهو يحتمل هذين الوجهين :

أحدهما : لا تعيير عليكم ، ولا ملامة ؛ أي ليس في العقل تعيير ولا ملامة إذ أتيتم ، وأقررتم بالخطأ .

وهكذا كل من أذنب ذنبا أو ارتكب كبيرة ، ثم انتزع عنها ، وثاب منها ، لا يعير هو عليه ، ولا يلام . وكذلك قيل في قوله : ( ولا تنابزوا بالألقاب )[ الحجرات : 11 ] ذكر أنهم كانوا يعيرون أهل الكفر في كفرهم ، وينابزونهم ، ثم أسلموا ، فنهوا أني ينابزوهم ، ويصنعوا بهم مثل صنيعهم بهم في كفرهم . ولو وجب التعيير والملامة بعد الانتزاع عنه والتوبة ، أو جاز[ في الأصل وم : يجوز ] ذلك لكان أصحاب رسول الله معيرين ملامين لأنهم كانوا أهل الكفر في الابتداء فهذا مما لا يحل في العقل .

والثاني قوله : ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ ) لا أعيركم على ما قال ابن عباس رضي الله عنه أي لا ذكر ما كان منكم إلينا . أمنهم عن أن يذكر شيئا مما كان منهم إليه . ولذلك قال : ( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي )[ الآية : 100 ] ذكر /257-ب/ أن الشيطان هو الذي فعل ما كان بينه وبين إخوته . وكذلك فعل حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) أضاف ذلك إلى الشيطان ولم يضف إلى إخوته .

وقوله تعالى : ( يغفر الله لكم ) قطع فيه القول بالمغفرة حين أقروا بالخطايا وثابوا عما فعلوا وهكذا كل من تاب عن ذنب ارتكبه ونزع عنه أن يقطع القول فيه بالمغفرة والرحمة .

وقوله تعالى : ( يغفر الله لكم ) يخرج على الدعاء لهم وعلى الإخبار بالوحي أنه يغفر لهم ، أو قد غفر لهم ، أو يقول : استغفروا الله [ من ][ ساقطة من الأصل وم ] الذي كان بين الله وبينكم يغفر لكم ( وهو أرحم الراحمين ) لأن كل من يرحم من الخلائق إنما يرحم برحمة منه إليه . فهو أرحم الراحمين بما قلنا على ما قلنا في قوله : ( وهو خير الحاكمين )[ الأعراف : 87 ] لأن من يحكم من الخلائق عليكم إنما يحكم بحكم ناله منه .