واعلم أنهم لما اعترفوا بفضله عليهم وبكونهم مجرمين خاطئين قال يوسف : { لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم } وفيه بحثان :
البحث الأول : التثريب التوبيخ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : «إذا زنت أمة أحدكم فليضربها الحد ولا يثربها » أي ولا يعيرها بالزنا ، فقوله : { لا تثريب } أي لا توبيخ ولا عيب وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش . ومعناه إزالة الثرب كما أن التجليد إزالة الجلد قال عطاء الخراساني طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها إلى الشيوخ ألا ترى إلى قول يوسف عليه السلام لإخوته { لا تثريب عليكم } وقوله يعقوب : { سوف أستغفر لكم ربى } .
البحث الثاني : إن قوله : { اليوم } متعلق بماذا وفيه قولان :
القول الأول : إنه متعلق بقوله : { لا تثريب } أي لا أثر بكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بسائر الأيام ، وفيه احتمال آخر وهو أني حكمت في هذا اليوم بأن لا تثريب مطلقا لأن قوله : { لا تثريب } نفي للماهية ونفي الماهية يقتضي انتفاء جميع أفراد الماهية ، فكان ذلك مفيدا للنفي المتناول لكل الأوقات والأحوال . فتقدير الكلام اليوم حكمت بهذا الحكم العام المتناول لكل الأوقات والأحوال ثم إنه لما بين لهم أنه أزال عنهم ملامة الدنيا طلب من الله أن يزيل عنهم عقاب الآخرة فقال : { يغفر الله لكم } والمراد منه الدعاء .
والقول الثاني : أن قوله : { اليوم } متعلق بقوله : { يغفر الله لكم } كأنه لما نفى التثريب مطلقا بشرهم بأن الله غفر ذنبهم في هذا اليوم ، وذلك لأنهم لما انكسروا وخجلوا واعترفوا وتابوا فالله قبل توبتهم وغفر ذنبهم ، فلذلك قال : { اليوم يغفر الله لكم } روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح ، وقال لقريش : « ما تروني فاعلا بكم » فقالوا نظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت ، فقال : « أقول ما قال أخي يوسف لا تقريب تثريب اليوم » وروي أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس : إذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتل عليه : { قال لا تثريب عليكم اليوم } ففعل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « غفر الله لك ولمن علمك » وروي أن إخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا إليه إنك تحضرنا في مائدتك بكرة وعشيا ونحن نستحي منك لما صدر منا من الإساءة إليك ، فقال يوسف عليه السلام إن أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنهم ينظروني بالعين الأولى ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ، ولقد شرفت الآن بإتيانكم وعظمت في العيون لما جئتم وعلم الناس أنكم إخوتي وإني من حفدة إبراهيم عليه السلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.