معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

قوله تعالى : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } ، قيل : هذا عند السد ، يقول : تركنا يأجوج ومأجوج ، أي : يدخل ، بعضهم في بعض ، كموج الماء ، ويختلط بعضهم ببعض لكثرتهم . وقيل : هذا عند قيام الساعة ، يدخل الخلق بعضهم في بعض ، ويختلط إنسيهم بجنيهم حيارى . { ونفخ في الصور } ، لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة ، { فجمعناهم جمعاً } ، في صعيد واحد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

83

ثم نعود إلى سياق السورة . فنجده يعقب على ذكر ذي القرنين للوعد الحق بمشهد من مشاهد القيامة .

( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ، ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ؛ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ، الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ، وكان لا يستطيعون سمعا ) .

وهو مشهد يرسم حركة الجموع البشرية من كل لون وجنس وأرض . ومن كل جيل وزمان وعصر ، مبعوثين منشرين . يختلطون ويضطربون في غير نظام وفي غير انتباه ، تتدافع جموعهم تدافع الموج وتختلط اختلاط الموج . . ثم إذا نفخة التجمع والنظام : ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا فإذا هم في الصف في نظام !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

وقوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ [ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ] }{[18534]} أي : الناس يومئذ أي : يوم يدك{[18535]} هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم ، وهكذا قال السدي في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : ذاك حين يخرجون على الناس . وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال ، كما سيأتي بيانه [ إن شاء الله تعالى ]{[18536]} عند قوله : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } [ الأنبياء : 96 ، 97 ] وهكذا قال هاهنا : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } قال ابن زيد في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : هذا أول يوم القيامة ، { وَنُفِخَ{[18537]} فِي الصُّورِ } على أثر ذلك { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } .

وقال آخرون : بل المراد بقوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } أي : يوم القيامة يختلط الإنس والجن .

وروى ابن جرير ، عن محمد بن حميد ، عن يعقوب القمي{[18538]} عن هارون بن عنترة ، عن شيخ من بني فزارة{[18539]} في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : إذا ماج الإنس والجن قال إبليس : أنا أعلم لكم علم هذا الأمر . فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد بطنوا{[18540]} الأرض ، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة بطنوا{[18541]} الأرض فيقول : " ما من محيص " . ثم يظعن يمينًا وشمالا إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة بطنوا{[18542]} الأرض فيقول : " ما من محيص " فبينما هو كذلك ، إذ عرض له طريق كالشراك ، فأخذ عليه هو وذريته ، فبينما هم عليه إذ هجموا على النار ، فأخرج الله خازنًا من خزان النار ، فقال : يا إبليس ، ألم تكن لك المنزلة عند ربك ؟ ! ألم تكن في الجنان ؟ ! فيقول : ليس هذا يوم عتاب ، لو أن الله فرض عليّ فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه . فيقول : فإن الله قد فرض عليك فريضة . فيقول : ما هي ؟ فيقول : يأمرك أن تدخل النار . فيتلكأ عليه ، فيقول به وبذريته بجناحيه فيقذفهم في النار . فتزفر النار{[18543]} زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مُرسل إلا جثا لركبتيه{[18544]}

وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به . رواه من وجه آخر عن يعقوب ، عن هارون عن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : الجن الإنس ، يموج بعضهم في بعض .

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصفهاني{[18545]} ، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا المغيرة بن مسلم ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا ، وإن من ورائهم ثلاث أمم : تاويل ، وتايس{[18546]} ومنسك " . {[18547]} هذا حديث غريب بل منكر ضعيف .

وروى النسائي من حديث شعبة عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبيه ، عن جده أوس بن أبي أوس مرفوعًا : " إن يأجوج ومأجوج لهم نساء ، يجامعون ما شاؤوا ، وشجر يلقحون ما شاؤوا ، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا " {[18548]}

وقوله : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } : والصور كما جاء في الحديث : " قرن ينفخ " فيه والذي ينفخ فيه إسرافيل ، عليه السلام ، كما قد تقدم في الحديث بطوله ، والأحاديث فيه كثيرة .

وفي الحديث عن عطية ، عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعًا : " كيف أنعم ، وصاحب القَرْن قد التقم القَرْن ، وحنى جبهته واستمع متى يؤمر " . قالوا : كيف نقول ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " {[18549]}

وقوله { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } أي : أحضرنا الجميع للحساب { قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 ، 50 ] ، { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ]


[18534]:زيادة من ف، أ.
[18535]:في ت: "بذكر".
[18536]:زيادة من ف، أ.
[18537]:في ت: "ينفخ".
[18538]:في أ: "العمى".
[18539]:في أ: "قرارة".
[18540]:في أ: "قد تطبقوا".
[18541]:في أ: "قد تطبقوا".
[18542]:في أ: "قد تطبقوا".
[18543]:في أ: "جهنم".
[18544]:تفسير الطبري (16/23).
[18545]:في ف، أ: "الأصبهاني".
[18546]:الحديث في مسند الطيالسى برقم (2282) وقال الهيثمي في المجمع (8 / 6): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات".تنبيه: وقع في مجمع الزوائد "تاول وتاريس ومنسك" وعند الطسالسى "تاويل وتاريس وتارليس ومنسك" وفي المطالب العالية "تاويل وتاريس وناسك".
[18547]:?????
[18548]:سنن النسائي الكبرى برقم (11334).
[18549]:رواه الترمذي في السنن برقم (2431) وقال: "هذا حديث حسن".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً * وَعَرَضْنَا جَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } .

يقول تعالى ذكره : وتركنا عبادنا يوم يأتيهم وعدنا الذي وعدناهم ، بأنا ندكّ الجبال ونَنْسِفها عن الأرض نسفا ، فنذرها قاعا صفصفا ، بعضهم يموج في بعض ، يقول : يختلط جنهم بإنسهم . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن هارون بن عنترة ، عن شيخ من بني فزارة ، في قوله : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ قال : إذا ماج الجنّ والإنس ، قال إبليس : فأنا أعلم لكم علم هذا الأمر ، فيظعن إلى المشرق ، فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض ، ثم يظعن إلى المغرب ، فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض ، ثم يصعد يمينا وشمالاً إلى أقصى الأرض ، فيجد الملائكة قطعوا الأرض ، فيقول : ما من مَحِيص ، فبينا هو كذلك ، إذ عرض له طريق كالشراك ، فأخذ عليه هو وذريّته ، فبينما هم عليه ، إذ هجموا على النار ، فأخرج الله خازنا من خُزّان النار ، قال : يا إبليس ألم تكن لك المنزلة عند ربك ، ألم تكن في الجنان ؟ فيقول : ليس هذا يوم عتاب ، لو أن الله فرض عليّ فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه ، فيقول : فإن الله قد فرض عليك فريضة ، فيقول : ما هي ؟ فيقول : يأمرك أن تدخل النار ، فيتلكأ عليه ، فيقول به وبذرّيته بجناحيه ، فيقذفهم في النار ، فَتزفر النار زفرة فلا يبقى مَلَك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل إلا جثى لركبتيه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ قال : هذا أوّل القيامة ، ثم نفخ في الصور على أثر ذلك فجمعناهم جمعا .

وَنُفِخَ فِي الصّورِ قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيما مضى في الصّور ، وما هو ، وما عُنِي به . واخترنا الصواب من القول في ذلك بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر في ذلك الموضع من الأخبار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : حدثنا أسلم ، عن بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن أعرابيا سأله عن الصّور ، قال : «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن سليمان التيميّ ، عن العجلي ، عن بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

حدثنا محمد بن الحارث القنطري ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : كنت في جنازة عمر بن ذرّ فلقيت مالك بن مغول ، فحدثنا عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ وَحَنى الجَبْهَةَ ، وأصْغَى بالأذُنُ مَتى يُوءْمَرُ » فشقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «قُولُوا حَسْبُنا اللّهُ وَعَلى اللّهِ تَوَكّلْنا ، ولوِ اجْتَمَعَ أهْلُ مِنًى ما أقالُوا ذلكَ القَرْنَ » كذا قال ، وإنما هو ماأقلوا .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا حفص ، عن الحجاج ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَم القَرْنَ ، وَحَنى ظَهْرَهُ وَجَحَظَ بعَيْنَيْهِ » ، قالوا : ما نقول يارسول الله ؟ قال : «قُولُوا : حَسْبُنا اللّهُ ، تَوَكّلْنا علَى اللّهِ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْن قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ ، وَحَنى جَبْهَتَهُ ، يَسْتَمِعُ مَتى يُوءْمَرُ فَيَنْفُخُ فِيهِ » ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف نقول ؟ قال : «تَقُولُونَ : حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، تَوَكّلنا على اللّهِ » .

حدثنا أبو كريب والحسن بن عرفة ، قالا : حدثنا أسباط ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا شعيب بن حرب ، قال : حدثنا خالد أبو العلاء ، قال : حدثنا عطية العوفيّ ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنى الجَبْهَةَ ، وأصْغَى بالأُذُنِ مَتى يُوءْمَرُ أنْ يَنْفُخَ ، وَلَوْ أنّ أهْلَ مِنًى اجْتَمَعُوا على القَرْنَ علَى أنْ يُقِلّوهُ مِنَ الأرْضِ ، ما قَدَرُوا عَلَيْهِ » قال : فأُبِلسَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشقّ عليهم ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قُولُوا : حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلى اللّهِ تَوَكّلْنا » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن فلان ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب الْقُرَظيّ ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمّا فَرَغَ اللّهَ مِنْ خَلْقِ السّمَوَاتِ وّلأرْضِ ، خَلَقَ الصّورَ ، فأعْطاهُ إسْرَافِيلَ ، فَهُوَ وَضَعَهُ عَلى فِيهِ شاخِصٌ بَصَرُهُ إلى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتى يُوءْمَرُ » . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، ما الصّور ؟ قال : «قَرْنٌ » . قال : وكيف هو ؟ قال : «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ : الأُولى : نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثّانِيَةُ : نَفْخَةُ الصّعْقِ ، والثّالِثَةُ : نَفْخَةُ القِيامِ لِرَبّ العالَمِينَ » .

وقوله : فَجَمَعْناهُمْ جَمْعا يقول : فجمعنا جميع الخلق حينئذ لموقف الحساب جميعا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

{ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد ، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله : { ونُفخ في الصور } لقيام الساعة . { فجمعناهم جمعا } للحساب والجزاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

والضمير في { تركنا } لله عز وجل ، وقوله { يومئذ } يحتمل أن يريد به يوم القيامة لأنه قد تقدم ذكره ، فالضمير في قوله { بعضهم } على ذلك لجميع الناس ، ويحتمل أن يريد بقوله { يومئذ } يوم كمال السد ، فالضمير في قوله { بعضهم } على ذلك

{ يأجوج ومأجوج } [ الكهف : 94 ] ، واستعارة «الموج » لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض كالمولهين من هم وخوف ونحوه ، فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض ، وقوله { ونفخ في الصور } إلى آخر الآية معني به يوم القيامة بلا احتمال لغيره ، فمن تأول الآية كلها في يوم القيامة ، اتسق تأويله ، ومن تأول الآية إلى قوله { يموج في بعض } في أمر يأجوج ومأجوج ، تأول القول وتركناهم يموجون دأباً على مر الدهر وتناسل القرون منهم فنائهم ، ثم { نفخ في الصور } فيجتمعون ، و { الصور } : في قول الجمهور وظاهر الأحاديث الصحاح ، هو القرن الذي ينفخ فيه للقيامة ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :«كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنا الجبهة وأصغى بالأذن متى يؤمر » ، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «قولوا حسبنا الله وعلى الله توكلنا ، ولو اجتمع أهل منى ما أقلوا ذلك القرن »{[7903]} ، وأما «النفخات » ، فأسند الطبري إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « » الصور «قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام{[7904]} لرب العالمين » ، وقال بعض الناس «النفخات » اثنتان : نفخة الفزع ، وهي نفخة الصعق ، ثم الأخرى التي هي للقيام ، وملك الصور هو إسرافيل ، وقالت فرقة { الصور } جمع صورة ، فكأنه أراد صور البشر والحيوان نفخ فيها الروح ، والأول أبين وأكثر في الشريعة .


[7903]:أخرجه أحمد، والطبراني في الأوسط، والحاكم، والبيهقي في البعث، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقد سبق الاستشهاد بهذا الحديث عن تفسير الآية (73) من سورة الأنعام (5ـ 250)، وينتهي الحديث كما ذكره في الدر المنثور بقوله: {وعلى الله توكلنا}.
[7904]:الحديث في الطبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما فرغ الله من خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو وضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر)، قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الصور؟ قال: (قرن)، قال: وكيف هو؟ قال: (قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين). وفي حديث عن الدجال أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه ينفخ في الصور المرة الأولى فيصعق من في السماوات والأرض، ثم ينفخ فيه أخرى).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

الترك : حقيقته مفارقة شيء شيئاً كان بقربه ، ويطلق مجازاً على جعل الشيء بحالة مخالفة لحالة سابقة تمثيلاً لحال إلفائه على حالة ، ثم تغييرها بحال من كان قرب شيء ثم ذهب عنه ، وإنما يكون هذا المجاز مقيداً بحالة كان عليها مفعول تَرك ، فيفيد أن ذلك آخر العهد ، وذلك يستتبع أنه يدوم على ذلك الحال الذي تركه عليها بالقرينة .

والجملة عطف على الجملة التي قبلها ابتداء من قوله { حتى إذا بلغ بين السدين ، } فهذه الجملة لذكر صنع الله تعالى في هذه القصة الثالثة من قصص ذي القرنين إذ ألهمه دفع فساد ياجوج وماجوج ، بمنزلة جملة { قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب } في القصة الأولى ، وجملة { كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً } فجاء أسلوب حكاية هذه القصص الثلاث على نسق واحد .

و { يومئذ } هو يوم إتمام بناء السد المستفاد من قوله { فما اسطاعوا أن يظهروه } الآية .

و { يَمُوج } يضطرب تشبيهاً بموج البحر .

وجملة { يَمُوج } حال من { بعضهم } أو مفعول ثان ل { تَرَكنا } على تأويله ب ( جعلنا ) ، أي جعلنا ياجوج وماجوج يومئذ مضطربين بينهم فصار فسادهم قاصراً عليهم ودفع عن غيرهم .

والنار تأكل نفسها *** إن لم تجد ما تأكله

لأنهم إذا لم يجدوا ما اعتادوه من غزو الأمم المجاورة لهم رجع قويهم على ضعيفهم بالاعتداء .

{ وَنُفِخَ فِى الصور فجمعناهم جَمْعاً }

تخلصٌ من أغراض الاعتبار بما في القصة من إقامة المصالح في الدنيا على أيدي من اختاره الله لإقامتها من خاصة أوليائه ، إلى غرض التذكير بالموعظة بأحوال الآخرة ، وهو تخلص يؤذن بتشبيه حال تموجهم بحال تموج الناس في المحشر ، تذكيراً للسامعين بأمر الحشر وتقريباً بحصوله في خيال المشركين . فإن القادر على جمع أمة كاملة وراء هذا السد ، بفعل من يسره لذلك من خلقه ، هو الأقدر على جمع الأمم في الحشر بقدرته ، لأنّ متعلقات القدرة في عالم الآخرة أعجب . وقد تقدّم أن من أهم أغراض هذه السورة إثبات البعث . واستعمل الماضي موضع المضارع تنبيهاً على تحقيق وقوعه .

والنفخ في الصور تمثيلية مكنية تشبيهاً لحال الدّاعي المطاع وحال المدعو الكثير العدد السريع الإجابة ، بحال الجند الذين ينفذون أمر القائد بالنفير فينفخون في بوق النفير ، وبحال بقية الجند حين يسمعون بوق النفير فيسرعون إلى الخروج . على أنه يجوز أن يكون الصور من مخلوقات الآخرة .

والحالة الممثلة حالة غريبة لا يعلم تفصيلها إلا الله تعالى .

وتأكيد فعلي { جمعناهم } و { عرضنا } بمصدريهما لتحقق أنه جمع حقيقي وعرض حقيقي ليسا من المجاز ، وفي تنكير الجمع والعرض تهويل .