قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } ، فقر ، { نحن نرزقهم وإياكم } ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة فنهوا عنه ، وأخبروا أن رزقهم ورزق أولادهم على الله تعالى ، { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } ، قرأ ابن عامر و أبو جعفر خطأ بفتح الخاء والطاء مقصوراً . وقرأ ابن كثير بكسر الخاء ممدوداً وقرأ الآخرون بكسر الخاء وجزم الطاء ، ومعنى الكل واحد ، أي : إثماً كبيراً . { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } .
وكان بعض أهل الجاهلية يقتلون البنات خشية الفقر والإملاق ؛ فلما قرر في الآية السابقة أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، أتبعه بالنهي عن قتل الأولاد خشية الإملاق في المكان المناسب من السياق . فما دام الرزق بيد الله ، فلا علاقة إذن بين الإملاق وكثرة النسل أو نوع النسل ؛ إنما الأمر كله إلى الله . ومتى انتفت العلاقة بين الفقر والنسل من تفكير الناس ، وصححت عقيدتهم من هذه الناحية فقد انتفى الدافع إلى تلك الفعلة الوحشية المنافية لفطرة الأحياء وسنة الحياة :
( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ، إن قتلهم كان خطأ كبيرا ) . .
إن انحراف العقيدة وفسادها ينشيء آثاره في حياة الجماعة الواقعية ، ولا يقتصر على فساد الاعتقاد والطقوس التعبدية . وتصحيح العقيدة ينشيء آثاره في صحة المشاعر وسلامتها ، وفي سلامة الحياة الاجتماعية واستقامتها . وهذا المثل من وأد البنات مثل بارز على آثار العقيدة في واقع الجماعة الإنسانية . وشاهد على أن الحياة لا يمكن إلا أن تتأثر بالعقيدة ، وأن العقيدة لا يمكن أن تعيش في معزل عن الحياة .
ثم نقف هنا لحظة أمام مثل من دقائق التعبير القرآني العجيبة .
ففي هذا الموضع قدم رزق الأبناء على رزق الآباء : نحن نرزقهم وإياكم وفي سورة الأنعام قدم رزق الآباء على رزق الأبناء : ( نحن نرزقكم وإياهم ) . وذلك بسبب اختلاف آخر في مدلول النصين . فهذا النص : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم : والنص الآخر ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) .
هنا قتل الأولاد خشية وقوع الفقر بسببهم فقدم رزق الأولاد . وفي الأنعام قتلهم بسبب فقر الآباء فعلا . فقدم رزق الآباء . فكان التقديم والتأخير وفق مقتضى الدلالات التعبيرية هنا وهناك .
هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده ؛ لأنه ينهى [ تعالى ]{[17460]} عن قتل الأولاد ، كما أوصى بالأولاد في الميراث ، وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ، بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته ، فنهى الله [ تعالى ]{[17461]} عن ذلك فقال : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } أي : خوف أن تفتقروا في ثاني الحال ؛ ولهذا قدم الاهتمام برزقهم فقال : { نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } وفي الأنعام{[17462]} { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ } أي : من فقر { نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ{[17463]} } [ الأنعام : 151 ] .
وقوله : { إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } أي : ذنبًا عظيمًا .
وقرأ بعضهم : " كان خَطَأً كبيرًا " وهو بمعناه .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندًا وهو خلقك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَمَ معك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني بحليلة{[17464]} جارك " {[17465]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.