معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

قوله تعالى : { قال } لهم .

قوله تعالى : { فرعون } حين آمنوا .

قوله تعالى : { آمنتم به } قرأ حفص آمنتم على الخبر هاهنا وفي طه ، والشعراء ، وقرأ الآخرون بالاستفهام ، أآمنتم به .

قوله تعالى : { قبل أن آذن لكم } ، أصدقتم موسى من غير أمري إياكم .

قوله تعالى : { إن هذا لمكر مكرتموه } ، أي : صنع صنعتموه أنتم وموسى .

قوله تعالى : { في المدينة } في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر .

قوله تعالى : { لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون } ما أفعل بكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

103

ولكن الطواغيت المتجبرين لا يدركون كيف يتسرب النور إلى قلوب البشر ؛ ولا كيف تمازجها بشاشة الإيمان ؛ ولا كيف تلمسها حرارة اليقين . فهم لطول ما استعبدوا الناس يحسبون أنهم يملكون تصريف الأرواح وتقليب القلوب - وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء - . . ومن ثم فوجىء فرعون بهذا الإيمان المفاجىء الذي لم يدرك دبيبه في القلوب ولم يتابع خطاه في النفوس ؛ ولم يفطن إلى مداخله في شعاب الضمائر . . ثم هزته المفاجأة الخطيرة التي تزلزل العرش من تحته : مفاجأة استسلام السحرة - وهم من كهنة المعابد - لرب العالمين . رب موسى وهارون . بعد أن كانوا مجموعين لإبطال دعوة موسى وهارون إلى رب العالمين ! . . والعرش والسلطان هما كل شيء في حياة الطواغيت . . وكل جريمة يمكن أن يرتكبوها بلا تحرج في سبيل المحافظة على الطاغوت :

( قال فرعون : آمنتم به قبل أن آذن لكم ! إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها . فسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ثم لأصلبنكم أجمعين ) . .

هكذا . . ( آمنتم به قبل أن آذن لكم ! ) . . كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن تنتفض قلوبهم للحق - وهم أنفسهم لاسلطان لهم عليها - أو يستأذنوه في أن ترتعش وجداناتهم - وهم أنفسهم لا يملكون من أمرها شيئاً - أو يستأذنوه في أن تشرق أرواحهم - وهم أنفسهم لا يمسكون مداخلها . أو كأنما كان عليهم أن يدفعوا اليقين وهو ينبت من الأعماق . أو أن يطمسوا الإيمان وهو يترقرق من الأغوار . أو أن يحجبوا النور وهو ينبعث من شعاب اليقين !

ولكنه الطاغوت جاهل غبي مطموس ؛ وهو في الوقت ذاته متعجرف متكبر مغرور !

ثم إنه الفزع على العرش المهدد والسلطان المهزوز :

( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) . .

وفي نص آخر : ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) !

والمسألة واضحة المعالم . . إنها دعوة موسى إلى ( رب العالمين ) . . هي التي تزعج وتخيف . . إنه لا بقاء ولا قرار لحكم الطواغيت مع الدعوة إلى رب العالمين . وهم إنما يقوم ملكهم على تنحية ربوبية الله للبشر بتنحية شريعته . وإقامة أنفسهم أرباباً من دون الله يشرعون للناس ما يشاءون ، ويعبدون الناس لما يشرعون ! . . إنهما منهجان لا يجتمعان . . . أو هما دينان لا يجتمعان . . أو هما ربان لا يجتمعان . . وفرعون كان يعرف وملؤه كانوا يعرفون . . ولقد فزعوا للدعوة من موسى وهارون إلى رب العالمين . فأولى أن يفزعوا الأن وقد ألقي السحرة ساجدين . قالوا : آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون ! والسحرة من كهنة الديانة الوثنية التي تؤله فرعون ، وتمكنه من رقاب الناس باسم الدين !

/خ126

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

يخبر تعالى عما توعد به فرعون ، لعنه الله ، السحرة لما آمنوا بموسى ، عليه السلام ، وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله : { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا } أي : إن غَلَبَه لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك ، كقوله في الآية الأخرى : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } [ طه : 70 ] وهو يعلم وكلّ من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل ؛ فإن موسى ، عليه السلام ، بمجرد ما جاء من " مَدْين " دعا فرعون إلى الله ، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به ، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته ، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر ، ممن اختار هو والملأ من قومه ، وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل . وقد كانوا من أحرص الناس على ذلك ، وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون ، وموسى ، عليه السلام ، لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به ، وفرعون يعلم ذلك ، وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجَهَلتهم ، كما قال تعالى : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [ الزخرف : 54 ] فإن قوما صدّقوه في قوله : { أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى } [ النازعات : 24 ] من أجْهَل خلق الله وأضلهم .

وقال السدي في تفسيره بإسناده المشهور عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة ، في قوله تعالى : { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ } قاوا : التقى موسى ، عليه السلام ، وأميرُ السحرة ، فقال له موسى : أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي ، وتشهد أن ما جئت به حق ؟ قال الساحر : لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر ، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنك حق . وفرعون ينظر إليهما ، قالوا : فلهذا قال ما قال .

وقوله : { لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا } أي : تجتمعوا أنتم وهو ، وتكون لكم{[12017]} دولة وصولة ، وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء ، وتكون الدولة والتصرف لكم ، { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي : ما أصنع بكم .


[12017]:في ك، م: "لهم".