السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

فهذا قوله : { إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة } ويقال : إنّ الحبال والعصيّ التي كانت مع السحرة كانت حمل ثلثمائة بعير فلما ابتلعتها عصا موسى عليه السلام كلها قال بعضهم لبعض : هذا أمر خارج عن هذا السحر وما هو إلا من أمر السماء فآمنوا وصدّقوا .

فإن قيل : كان يجب أن يأتوا بالإيمان قبل السجود فما فائدة تقديم السجود على الإيمان ؟ أجيب : بأنّ الله تعالى لما قذف في قلوبهم الإيمان والمعرفة خرّوا سجداً لله تعالى شكراً على ما هداهم إليه وألهمهم من الإيمان بالله تعالى وتصديق رسوله ثم أظهروا بعد ذلك إيمانهم قال قتادة : كانوا أوّل النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة ، وعن الحسن : نرى من ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا وهؤلاء الكفار نشؤوا في الكفر بذلوا أنفسهم لله تعالى .

{ قال فرعون } للسحرة منكراً عليهم موبخاً لهم بقوله : { آمنتم } أي : صدقتم { به } أي : بموسى أو بالله تعالى والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ .

فائدة : هنا ثلاث همزات جميع القراء بإبدال الثالثة ألفاً وحقق الثانية شعبة وحمزة والكسائي وسهلها نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر وأمّا حفص فإنه أسقط الأولى وأبدلها قنبل في الوصل واواً { قبل أن آذن لكم } أي : قبل أن آمركم بذلك وآذن لكم فيه { إنّ هذا لمكر مكرتموه } أي : إن هذا الصنيع لحيلة احتلتموها أنتم وموسى { في المدينة } أي : مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع ، وذلك أنّ فرعون رأى موسى يحدّث كبير السحرة فظن فرعون أن موسى وكبير السحرة قد تواطؤوا عليه وعلى أهل مصر ليستولوا على مصر كما قال : { لتخرجوا منها أهلها } أي : القبط وتخلص لكم ولبني إسرائيل وقوله تعالى : { فسوف تعلمون } فيه وعيد وتهديد أي : فسوف تعلمون ما أفعل بكم .