تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون( 123 ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنّكم أجمعين( 124 ) } :

التفسير :

{ 123 – قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم } .

قرئ بحذف الهمزة على الإخبار ، وقرئ بإثباتها على الاستفهام التوبيخي من فرعون للسحرة .

فقد أنكر عليهم جرأتهم في إعلان الإيمان بموسى من قبل أن يأذن لهم فرعون .

فهو لغروره وجهله ظن أن الإيمان بالحق بعد أن تبين يحتاج إلى استئذان .

{ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها } .

أي : إن ما صنعتموه من الإيمان بموسى وصدق رسالته لم يقع منكم ؛ لوضوح حجته ، وصدق معجزته ، بل هو حيلة احتلتم بها ، وخديعة اتخذتموها بالاتفاق مع موسى في مدينة مصر ؛ لتخرجوا منها سكانها الأصليين – القبط – فيزول ملكهم ، وتزول دولتهم ، يستقر لكم الأمر من بعدهم وقد قصد فرعون بهذا الأسلوب أن يلقي في أسماع عامة القبط بشبهتين .

الأولى : أن إيمان لسحرة كان بناء على اتفاق سابق وتواطؤ مع موسى .

الثانية : أن ذلك كان لإخراج أهل مصر من ديارهم ، وقصده تثبيت أهل مصر على ما هم عليه من عبادته والخضوع له ، وإذكاء نار عداوتهم لموسى وحقدهم عليه ، إذ ليس أشق على النفوس من مفارقة الأديان وترك الأوطان .

وهكذا يقف الطغاة ضد كل داعية مخلص ، وعندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في أهل مكة ، قدم عليه بعض الوفود من العرب ، فقال له أحد الوافدين ، أن كلامك يا أخا قريش لمما تكرهه الملوك .

لأن دعوة الرسل الحقة ، يترتب عليها إحقاق الحق ، وإزهاق الباطل ، الحكم بالعدل ، وقطع دابر الظلم ، ولذلك يحتال الطغاة الظالمون في سائر مراحل التاريخ ؛ لتشويه دعوة الرسل ، وإلصاق التهم بالمصلحين .

قال تعالى :

{ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننّكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامى وخاف وعيد . ( إبراهيم : 13 ، 14 ) .

فسوف تعلمون .

أي : فسوف تعلمون الأهوال التي سأنزلها بكم جزاء إيمانكم بموسى وتواطئكم معه ، ثم فصّل هذا الوعيد بقوله :

{ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجميعن } .