قوله تعالى : { ليسأل الصادقين عن صدقهم } يقول : أخذنا ميثاقهم لكي يسأل الصادقين ، يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة . والحكمة في سؤالهم ، مع علمه أنهم صادقون ، تبكيت من أرسلوا إليهم . وقيل : ليسأل الصادقين عن عملهم لله عز وجل . وقيل : ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم . { وأعد للكافرين عذاباً أليماً } .
( ليسأل الصادقين عن صدقهم ) . . والصادقون هم المؤمنون . فهم الذين قالوا كلمة الصدق ، واعتنقوا عقيدة الصدق . ومن سواهم كاذب ، لأنه يعتقد بالباطل ويقول كلمة الباطل . ومن ثم كان لهذا الوصف دلالته وإيحاؤه . وسؤالهم عن صدقهم يوم القيامة كما يسأل المعلم التلميذ النجيب الناجح عن إجابته التي استحق بها النجاح والتفوق ، أمام المدعوين لحفل النتائج ! سؤال للتكريم ، وللإعلان والإعلام على رؤوس الأشهاد ، وبيان الاستحقاق ، والثناء على المستحقين للتكريم في يوم الحشر العظيم !
فأما غير الصادقين . الذين دانوا بعقيدة الباطل ، وقالوا كلمة الكذب في أكبر قضية يقال فيها الصدق أو يقال فيها الكذب . قضية العقيدة . فأما هؤلاء فلهم جزاء آخر حاضر مهيأ ، يقف لهم في الانتظار : ( وأعد للكافرين عذابا أليما ) . .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول عز وجل: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} يعني النبيين، عليهم السلام، هل بلغوا الرسالة.
{وأعد للكافرين} بالرسل {عذابا أليما}: وجيعا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم كيما أسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، وما فعل قومهم فيما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة...
وقوله:"وأعَدّ للكافِرِينَ عَذَابا ألِيما" يقول: وأعدّ للكافرين بالله من الأمم عذابا موجعا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ليسأل الصادقين عن صدقهم}... وهو ما أخبرهم وأنبأهم من القرآن وغيره.
{وأعد للكافرين عذابا أليما} بتركهم الإجابة والتصديق.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" ليسأل الصادقين عن صدقهم"... يجوز أن يحمل على عمومه في كل صادق، ويكون فيه تهديد للكاذب، فإن الصادق إذا سئل عن صدقه على أي وجه قال فيجازى بحسبه، فكيف يكون صورة الكاذب.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يسألهم سؤال تشريفٍ لا سؤال تعنيف، وسؤال إيجابٍ لا سؤال عتاب.
والصدقُ ألا يكون في أحوالِكَ شَوْبٌ ولا في اعتقادك رَيْبٌ، ولا في أعمالك عَيْبٌ، ويقال من أمارات الصدق في المعاملة، وجودُ الإخلاص من غير ملاحظة مخلوق.
والصدقُ في الأحوال تصفيتُها من غير مداخلة إعجاب.
والصدق في الأقوال سلامتها من المعاريض فيما بينك وبين نفسك، وفيما بينك وبين الناس والتباعدُ عن التلبيس، وفيما بينك وبين الله بإدامة التبرِّي من الحَوْلِ والقوة، ومواصلة الاستعانة، وحفظ العهود معه على الدوام.
والصدق في التوكل عَدَمُ الانزعاج عند الفَقْدِ، وزوال الاستبشار بالوجود.
والصدق في الأمر بالمعروف التحرُّز من قليل المداهنة وكثيرها، وألا تتركَ ذلك لِفَزَعٍ أو لِطَمَعٍ، وأن تَشْرَبَ مما تَسْقي، وتتصف بما تأمر، وتنهي (نَفْسَك) عما تَزْجُر.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لِّيَسْأَلَ} الله يوم القيامة عند تواقف الأشهاد المؤمنين الذين صدقوا عهدهم ووفوا به، من جملة من أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى {عَن صِدْقِهِمْ} عهدهم وشهادتهم، فيشهد لهم الأنبياء بأنهم صدقوا عهدهم وشهادتهم وكانوا مؤمنين.
أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم. لأن من قال للصادق: صدقت، كان صادقاً في قوله.
يعني أرسل الرسل، وعاقبة المكلفين إما حساب وإما عذاب، لأن الصادق محاسب والكافر معذب.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ليسأل} أي يوم القيامة {الصادقين} أي في الوفاء بالعهد {عن صدقهم} هل هو لله خالصاً أو لا، ويسأل الكافرين عن كفرهم ما الذي حملهم عليه، والحال أنه أعد للصادقين ثواباً عظيما {وأعد للكافرين} أي الساترين لإشراق أنوار الميثاق {عذاباً أليماً} فالآية، من محاسن رياض الاحتباك، وإنما صرح بسؤال الصادق بشارة له بتشريفه في ذلك الموقف العظيم، وطوى سؤال الكفار إشارة إلى استهانتهم بفضيحة الكذب {ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} [المجادلة: 14] {فيحلفون له كما يحلفون لكم} [المجادلة: 18] وذكر ما هو أنكى لهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والصادقون هم المؤمنون، فهم الذين قالوا كلمة الصدق، واعتنقوا عقيدة الصدق، ومن سواهم كاذب، لأنه يعتقد بالباطل ويقول كلمة الباطل؛ ومن ثم كان لهذا الوصف دلالته وإيحاؤه.
وسؤالهم عن صدقهم يوم القيامة كما يسأل المعلم التلميذ النجيب الناجح عن إجابته التي استحق بها النجاح والتفوق، أمام المدعوين لحفل النتائج! سؤال للتكريم، وللإعلان والإعلام على رؤوس الأشهاد، وبيان الاستحقاق، والثناء على المستحقين للتكريم في يوم الحشر العظيم!
فأما غير الصادقين، الذين دانوا بعقيدة الباطل، وقالوا كلمة الكذب في أكبر قضية يقال فيها الصدق أو يقال فيها الكذب،قضية العقيدة، فأما هؤلاء فلهم جزاء آخر حاضر مهيأ، يقف لهم في الانتظار: (وأعد للكافرين عذابا أليما)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أخذنا منهم ميثاقاً غليظاً لنعظّم جزاءً للذين يُوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ولنُشدِّد العذاب جزاءً للذين يكفرون بما جاءتهم به رسل الله، فيكون من دواعي ذكر هذا الميثاق هنا أنه توطئة لذكر جزاء الصادقين وعذاب الكافرين زيادة على ما ذكرنا من دواعي ذلك آنفاً.
وهذه علة من علل أخذ الميثاق من النبيئين وهي آخر العِلل حصولاً، فأشعر ذكرُها بأن لهذا الميثاق عِللاً تحصل قبل أن يُسْأل الصادقون عن صدقهم، وهي ما في الأعمال المأخوذ ميثاقهم عليها من جلب المصالح ودرء المفاسد، وذلك هو ما يُسأل العاملون عن عمله من خير وشرٍ...
وضمير {يسأل} عائد إلى الله تعالى على طريقة الالتفات من التكلم إلى الغيبة.
والسؤال: كناية عن المؤاخذة لأنها من ثواب جواب السؤال، أعني إسداء الثواب للصادقين وعذاب الكافرين، وهذا نظير قوله تعالى {لا يُسْألُ عمّا يفعل} [الأنبياء: 23]، أي: لا يتعقب أحد فعله ولا يؤاخذه على ما لا يلائمه.
وجملة {وأعد للكافرين} عطف على جملة {ليسأل الصادقين} وغُيّر فيها الأسلوب للدلالة على تحقيق عذاب الكافرين حتى لا يتوهم أنهم يسألون سؤال من يُسْمَع جوابُهم أو معذرتُهم، ولإفادة أن إعداد عذابهم أمر مضى وتقرر في علم الله...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
"الصادقين" ... المراد منهم المؤمنون الذين صدّقوا ادّعاءهم بالعمل، وأثبتوا صدقه بترجمته عمليّاً، وبتعبير آخر: فإنّهم خرجوا من ساحة الاختبار والامتحان الإلهي مرفوعي الرؤوس. والشاهد لهذا القول: أوّلا: إنّ «الصادقين» هنا وُضعوا في مقابل الكافرين، فيستفاد هذا المعنى بوضوح من قرينة المقابلة. وبهذا يتّضح أنّ المراد من الصادقين: هم الذين أثبتوا صدقهم وإخلاصهم في ميادين حماية دين الله والجهاد والثبات والصمود أمام المشاكل وبذل الأرواح والأموال.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.