الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لِّيَسۡـَٔلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدۡقِهِمۡۚ وَأَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا} (8)

{ لِّيَسْأَلَ } الله يوم القيامة عند تواقف الأشهاد المؤمنين الذين صدقوا عهدهم ووفوا به ، من جملة من أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى { عَن صِدْقِهِمْ } عهدهم وشهادتهم ، فيشهد لهم الأنبياء بأنهم صدقوا عهدهم وشهادتهم وكانوا مؤمنين . أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم . لأن من قال للصادق : صدقت ، كان صادقاً في قوله . أو ليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم به أممهم . وتأويل مسألة الرسل : تبكيت الكافرين بهم ، كقوله : { أأنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله } [ المائدة : 116 ] .

فإن قلت : لم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوح فمن بعده قلت هذا العطف لبيان فضيلة الأنبياء الذين هم مشاهيرهم وذراريهم ، فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء المفضلين : قدم عليهم لبيان أنه أفضلهم ، ولولا ذلك لقدم من قدمه زمانه .

فإن قلت : فقد قدم عليه نوح عليه السلام في الآية التي هي أخت هذه الآية ، وهي قوله : { شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ الشورى : 13 ] ثم قدم على غيره . قلت : مورد هذه الآية على طريقة خلاف طريقة تلك ، وذلك أنّ الله تعالى إنما أوردها لوصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة فكأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم ، وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير .

فإن قلت : فما المراد بالميثاق الغليظ ؟ قلت : أراد به ذلك الميثاق بعينه . معناه : وأخذنا منهم بذلك الميثاق ميثاقاً غليظاً . والغلظ : استعارة من وصف الأجرام ، والمراد : عظم الميثاق وجلالة شأنه في بابه . وقيل الميثاق الغليظ : اليمين بالله على الوفاء بما حملوا .

فإن قلت : علام عطف قوله : { وَأَعَدَّ للكافرين } ؟ قلت : على أخذنا من النبيين ، لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين . وأعد للكافرين عذاباً أليماً . أو على ما دل عليه { لِّيَسْأَلَ الصادقين } كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين .