قوله تعالى : { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } . يقول لقد نصركم الله ليقطع طرفاً ، أي لكي يهلك طائفة من الذين كفروا ، وقال السدي : معناه ليهدم ركناً من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون ، وأسر سبعون ، ومن حمل الآية على حرب أحد ، فقد قتل منهم يومئذ ستة عشر وكانت النصر للمسلمين حتى خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فانقلب عليهم .
قوله تعالى : { أو يكبتهم } . قال الكلبي : يهزمهم ، وقال يمان : يصرعهم لوجوههم ، قال السدي : يلعنهم ، وقال أبو عبيدة : يهلكهم ، وقيل : يحزنهم ، والمكبوت : الحزين ، وقيل يكبدهم أي يصيب الحزن والغيظ أكبادهم ، والتاء والدال يتعاقبان كما يقال : سبت رأسه وسبده إذا حلقه ، وقيل : يكبتهم بالخيبة .
قوله تعالى : { فينقلبوا خائبين } . لم ينالوا شيئاً مما كانوا يرجون من الظفر بكم .
ثم يبين حكمة هذا النصر . . أي نصر . . وغاياته التي ليس لأحد من البشر منها شيء :
( ليقطع طرفا من الذين كفروا . أو يكبتهم فينقلبوا خائبين - ليس لك من الأمر شيء - أو يتوب عليهم . أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) . .
إن النصر من عند الله . لتحقيق قدر الله . وليس للرسول [ ص ] ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية ولا نصيب شخصي . كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه ، وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء ! فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه ؛ ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه ! إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله ، وبالتأييد من عنده . لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده :
( ليقطع طرفا من الذين كفروا ) . .
فينقص من عددهم بالقتل ، أو ينقص من أرضهم بالفتح ، أو ينقص من سلطانهم بالقهر ، أو ينقص من أموالهم بالغنيمة ، أو ينقص من فاعليتهم في الأرض بالهزيمة !
( أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ) . .
{ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولقد نصركم الله ببدر { لَيْقَطَع طَرَفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا } ويعني بالطرف : الطائفة والنفر . يقول تعالى ذكره : ولقد نصركم الله ببدر كما يهلك طائفة من الذين كفروا بالله ورسوله فجحدوا وحدانية ربهم ونبوّة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لِيَقْطَعَ طَرَفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا } فقطع الله يوم بدر طرفا من الكفار ، وقتل صناديدهم ورؤساءهم ، وقادتهم في الشرّ .
حُدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، نحوه .
حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : { لِيَقْطَعَ طَرَقا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا } . . . الاَية كلها ، قال : هذا يوم بدر ، قطع الله طائفة منهم ، وبقيت طائفة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ليَقْطَعَ طَرَفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا } أي ليقطع طرفا من المشركين بقتل ينتقم به منهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما النصر إلا من عند الله ليقطع طرفا من الذين كفروا ، وقال : إنما عنى بذلك من قتل بأُحد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : ذكر الله قتلى المشركين ، يعني بأُحد ، وكانوا ثمانية عشر رجلاً ، فقال : { لِيَقْطَعَ طَرَفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا } ثم ذكر الشهداء فقال : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْوَاتا } . . . الاَية .
وأما قوله : { أوْ يَكْبِتَهُمْ } فإنه يعني بذلك أو يخزيهم بالخيبة بما رجوا من الظفر بكم . وقد قيل : إن معنى قوله : { أوْ يَكْبِتَهُمْ } : أو يصرعهم لوجوههم ، ذكر بعضهم أنه سمع العرب تقول : كَبَتَه الله لوجهه ، بمعنى صرعه الله .
فتأويل الكلام : ولقد نصركم الله ببدر ، ليهلك فريقا من الكفار بالسيف ، أو يخزيهم بخيبتهم مما طمعوا فيه من الظفر ، { فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } يقول : فيرجعوا عنكم خائبين لم يصيبوا منكم شيئا ما رجوا أن ينالوه منكم . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { أوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ } أو يردّهم خائبين ، أو يرجع من بقي منهم خائبين ، لم ينالوا شيئا مما كانوا يأملون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أوْ يَكْبِتَهُمْ } يقول : يخزيهم فينقلبوا خائبين .
حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.