{ تعرج الملائكة } قرأ الكسائي يعرج بالياء ، وهي قراءة ابن مسعود ، وقرأ الآخرون تعرج بالتاء ، { والروح } يعني جبريل عليه السلام ، { إليه } يعني إلى الله عز وجل ، { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } من سني الدنيا لو صعد غير الملك من بني آدم من منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمر الله تعالى من فوق السماء السابعة لما صعد في أقل من خمسين ألف سنة . والملك يقطع ذلك كله في ساعة واحدة . روى ليث عن مجاهد أن مقدار هذا خمسين ألف سنة . وقال محمد بن إسحاق : لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش لساروا خمسين ألف سنة . وقال عكرمة وقتادة : هو يوم القيامة . وقال الحسن أيضاً : هو يوم القيامة . وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا ، ليس يعني به مقدار طوله هذا دون غيره ، لأن يوم القيامة له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود ، ولو كان له آخر لكان منقطعاً . وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هو يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة . أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أنبأنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، عن دارج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : " قيل : لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة : فما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " . وقيل : معناه لو ولي محاسبة العباد في ذلك اليوم غير الله لم يفرغ منه خمسين ألف سنة . وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس ومقاتل . قال عطاء : ويفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا . وروى محمد بن الفضل عن الكلبي قال : يقول لو وليت حساب ذلك اليوم الملائكة والجن والإنس وطوقتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه في خمسين ألف سنة ، وأنا أفرغ منها في ساعة واحدة من النهار . وقال يمان : هو يوم القيامة ، فيه خمسون موطناً ، كل موطن ألف سنة . وفيه تقديم وتأخير كأنه قال : ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه .
{ َعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } أي : ذو العلو والجلال والعظمة ، والتدبير لسائر الخلق ، الذي تعرج إليه الملائكة بما دبرها{[1225]} على تدبيره ، وتعرج إليه الروح ، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها ، برها وفاجرها ، وهذا عند الوفاة ، فأما الأبرار فتعرج أرواحهم إلى الله ، فيؤذن لها من سماء إلى سماء ، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل ، فتحيي ربها وتسلم عليه ، وتحظى بقربه ، وتبتهج بالدنو منه ، ويحصل لها منه الثناء والإكرام والبر والإعظام .
وأما أرواح الفجار فتعرج ، فإذا وصلت إلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها ، وأعيدت إلى الأرض .
ثم ذكر المسافة التي تعرج إلى الله فيها الملائكة والأرواح{[1226]} وأنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب ، وأعانها عليه من اللطافة والخفة وسرعة السير ، مع أن تلك المسافة على السير المعتاد مقدار خمسين ألف سنة ، من ابتداء العروج إلى وصولها ما حد لها ، وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى ، فهذا الملك العظيم ، والعالم الكبير ، علويه وسفليه ، جميعه قد تولى خلقه وتدبيره العلي الأعلى ، فعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة ، وعلم مستقرهم ومستودعهم ، وأوصلهم من رحمته وبره ورزقه{[1227]} ، ما عمهم وشملهم وأجرى عليهم حكمه القدري ، وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي .
فبؤسا لأقوام جهلوا عظمته ، ولم يقدروه حق قدره ، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان ، وسبحان الحليم الذي أمهلهم وما أهملهم ، وآذوه فصبر عليهم وعافاهم ورزقهم .
هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية [ الكريمة ] فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا ، لأن السياق الأول يدل على هذا .
ويحتمل أن هذا في يوم القيامة ، وأن الله تبارك وتعالى يظهر لعباده في يوم القيامة من عظمته وجلاله وكبريائه ، ما هو أكبر دليل على معرفته ، مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح صاعدة ونازلة ، بالتدابير الإلهية ، والشئون في الخليقة{[1228]}
في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة من طوله وشدته ، لكن الله تعالى يخففه على المؤمن .
اعتراض لبيان أن المعارج منازل من الرفعة الاعتبارية ترتقي فيها الملائكة وليست معارج يعرج إليه فيها ، أي فهي معارج جعلها الله للملائكة فقرب بها من منازل التشريف ، فالله معرج إليه بإذنه لا عارج ، وبذلك الجعل وصف الله بأنه صاحبها ، أي جاعلها ، ونظيره قوله تعالى : { ذو العرش } [ غافر : 15 ] .
و { الروح } : هو جبريل عليه السلام الموكل بإبلاغ إرادة الله تعالى وإذنه وتخصيصه بالذكر لتمييزه بالفضل على الملائكة . ونظير هذا قوله : { تنزل الملائكة والروح فيها } [ القدر : 4 ] أي في ليلة القدر .
و { الروح } : يطلق على ما به حياة الإِنسان وتصريفُ أعماله وهو المذكور في قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء : 85 ] . فيجوز أن يكون مما شمله قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه } ، أي أرواح أهل الجنة على اختلاف درجاتها في المعارج . وهذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة . وهذه تقريبات لنهاية عظمة تلك المنازل وارتقاء أهل العالم الأشرف إليها وعظمة يوم وقوعها .
وضمير { إليه } عائد إلى الله على تأويل مضاف على طريقة تعلق بعض الأفعال بالذوات ، والمراد أحوالها مثل { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] أي أكلها . و { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } يتنازع تعلقه كل من قوله : { واقع } [ المعارج : 1 ] وقوله : { تعرج } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{تعرج} يعني تصعد {الملائكة} من سماء إلى سماء العرش {والروح} يعني جبريل، عليه السلام، {إليه} في الدنيا برزق السماوات السبع.
ثم أخبر الله عز وجل عن ذلك العذاب متى يقع بها فقال: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جلّ وعزّ، والهاء في قوله: "إلَيْهِ " عائدة على اسم الله.
"في يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ": كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه، كان قدر ذلك اليوم الذي فرغ فيه من القضاء بينهم قدر خمسين ألف سنة.
عن ابن عباس، في قوله:"تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ" فهذا يوم القيامة، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة...
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن درّاجا حدّثه عن أبي الهيثم عن سعيد، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ" ما أطول هذا ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنّهُ لَيُخَفّفُ عَلى المُؤْمِنِ حتى يَكُونَ أخَفّ عَلَيْهِ مِنَ الصّلاةِ المَكْتُوبَةِ يُصَلّيها فِي الدّنْيا»...
وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه، وذلك ما: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، أن رجلاً سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ قال: إنما سألتك لتخبرني، قال: هما يومان ذكرهما الله في القرآن، الله أعلم بهما، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ومن قدر على أن يخلق في خلق من خلائقه من القوة ما يقطع هذه المسافة في يوم واحد، لا يحتمل أن يعجزه شيء. فيكون في ذكر هذا تحقيق كون ما به هولوا من القيامة والبعث. وجائز أن يكون قوله: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} راجعا إلى يوم القيامة، فذكر في موضع: {في يوم كان مقدراه ألف سنة} [السجدة: 5] وذكر ههنا: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}. فالأصل أن ذلك اليوم ليس بذي حد، ولا له غاية، ينتهي إليه، يخبر فيه عن الحد، فهو يخرج مخرج تعظيم ذلك اليوم ليقع به التهويل والتفزيع، فأي شيء يعظم ذكره في القلوب يذكر بالخلود، وهو قوله عز وجل: {ذلك يوم الخلود} [ق: 34] ومرة قال: {لابثين فيها أحقابا} [النبأ: 23] ومرة قال: {خمسين ألف سنة} [المعارج: 4] ومرة قال: {ألف سنة} [السجدة: 5] إذ هذه الأشياء مما تعظم في القلوب، وكذلك الألف، هي عظيمة القلوب. فإذا كانت هذه الأشياء يعظم ذكرها في القلوب فذكر الشيء الواحد من الجملة، أو ذكر الأشياء يقتضي معنى واحدا. ومنهم من يصرف الألف إلى تقدير عروج الخلائق إلى السماء في ذلك اليوم، ويصرف قوله: {خمسين ألف سنة} إلى تقدير المقام للحساب قبل أن يدخلوا النار. وجائز أن يكون تأويله على ما ذكره بعض أهل التفسير، وهو أن الله تعالى لو جعل حساب الخلق يومئذ إلى الخلق، فتكلفوا أن يفرغوا من حسابهم لن يفرغوا منه إلا في مقدار خمسين ألف سنة. لكن الله تعالى بلطفه يحاسبهم حسابا، يفرغ منه في أدنى وقت حتى يصير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار على ما جاء في الأخبار.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري: بل قدره في هوله وشدته ورزاياه للكفار قدر {خمسين ألف سنة}. وهذا كما تقول في اليوم العصيب، إنه كسنة.
اعلم أن عادة الله تعالى في القرآن أنه متى ذكر الملائكة في معرض التهويل والتخويف أفرد الروح بعدهم بالذكر، كما في هذه الآية، وكما في قوله: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا} وهذا يقتضي أن الروح أعظم من الملائكة قدرا، ثم هاهنا دقيقة وهي أنه تعالى ذكر عند العروج الملائكة أولا والروح ثانيا، كما في هذه الآية، وذكر عند القيام الروح أولا والملائكة ثانيا، كما في قوله: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا} وهذا يقتضي كون الروح أولا في درجة النزول وآخرا في درجة الصعود.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا بُهلول بن المورق حدثنا موسى بن عبيدة، أخبرني [عن] محمد بن كعب: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: هو يوم الفصل بين الدنيا والآخرة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي عمرو الغُداني قال: كنت عند أبي هُرَيرة فمر رجل من بني عامر بن صعصعة، فقيل له: هذا أكثر عامري مالا. فقال أبو هريرة: ردوه، فقال: نبئت أنك ذو مال كثير؟ فقال العامري: أي والله، إن لي لمائة حُمْرًا و مائة أدمًا، حتى عد من ألوان الإبل، وأفنان الرقيق، ورباط الخيل، فقال أبو هريرة: إياك وأخفاف الإبل وأظلافَ النعم -يُرَدّد ذلك عليه، حتى جعل لونُ العامري يتغير- فقال: ما ذاك يا أبا هُرَيرة؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كانت له إبلٌ لا يعطي حقها في نجدتها ورِسْلها -قلنا يا رسول الله: ما نجدتُها ورِسْلُها؟ قال: " في عُسرها ويسرها- " فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قَرقَر، فتطؤه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ثم يبطح لها بقاع قَرقَر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله. وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قَرقَر، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عَقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله". قال العامري: وما حق الإبل يا أبا هريرة؟ قال: أن تعطي الكريمة، وتمنح الغَزيرَة، وتفقر الظهر، وتَسقيَ اللبن وتُطرقَ الفحل.
وقد رواه أبو داود من حديث شعبة، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عَرُوبة، كلاهما عن قتادة، به...
والغرض من إيراده هاهنا قوله: " حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة".
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ودل على ما دلت عليه الكثرة مع الدلالة على عجيب القدرة في تخفيفها على الملائكة بقوله: {تعرج الملائكة} أي وهم أشد الخلق وأقدره على اختراق الطباق، والإسراع في النفوذ حتى يكونوا أعظم من لمح البرق الخفاق {والروح} أي جبريل عليه السلام، خصه تعظيماً له، أو هو خلق هو أعظم من الملائكة، وقيل: روح العبد المؤمن إذا قبض {إليه} أي محل مناجاته ومنتهى ما يمكن من العلو لمخلوقاته، وعلق بالعروج أو بواقع قوله: {في يوم} أي من أيامكم، وبين عظمته بقوله (كان) أي كونا هو في غاية الثبات (مقداره) أي لو كان الصاعد فيه آدمياً {خمسين ألف} وبين المشقة في صعوده أو الكون فيه إن أريد القيامة بأن قال: {سنة} ولم يقل: عاماً -مثلاً.
ويجوز أن يكون هذا اليوم ظرفاً للعذاب فيكون المراد به يوم القيامة، وأن يكون طوله على الكافر باعتبار ما يلحقه من الغم لشدة المخاوف عليه لأنه ورد أنه يخفف على المؤمن حتى يكون بمقدار صلاة واحدة -
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وبعد هذا الافتتاح الذي يقرر كلمة الفصل في موضوع العذاب، ووقوعه، ومستحقيه، ومصدره، وعلو هذا المصدر ورفعته، مما يجعل قضاءه أمرا علويا نافذا لا مرد له ولا دافع.. بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب، والذي يستعجلون به وهو منهم قريب. ولكن تقدير الله غير تقدير البشر، ومقاييسه غير مقاييسهم: من الآية 4 الى الآية 5 (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا).. والأرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة، لأن السياق يكاد يعين هذا المعنى. وفي هذا اليوم تصعد الملائكة والروح إلى الله. والروح: الأرجح أنه جبريل عليه السلام، كما سمي بهذا الاسم في مواضع أخرى. وإنما أفرد بالذكر بعد الملائكة لما له من شأن خاص. وعروج الملائكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك بالذكر، إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته، وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم ومهامه. ولا ندري نحن -ولم نكلف أن ندري- طبيعة هذه المهام، ولا كيف يصعد الملائكة، ولا إلى أين يصعدون. فهذه كلها تفصيلات في شأن الغيب لا تزيد شيئا من حكمة النص، وليس لنا إليها من سبيل، وليس لنا عليها من دليل. فحسبنا أن نشعر من خلال هذا المشهد بأهمية ذلك اليوم، الذي ينشغل فيه الملائكة والروح بتحركات تتعلق بمهام ذلك اليوم العظيم. وأما (كان مقداره خمسين ألف سنة).. فقد تكون كناية عن طول هذا اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي. وقد تعني حقيقة معينة، ويكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض فعلا وهو يوم واحد! وتصور هذه الحقيقة قريب جدا الآن. فإن يومنا الأرضي هو مقياس مستمد من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة. وهناك نجوم دورتها حول نفسها تستغرق ما يعادل يومنا هذا آلاف المرات.. ولا يعني هذا أنه المقصود بالخمسين ألف سنة هنا. ولكننا نذكر هذه الحقيقة لتقرب إلى الذهن تصور اختلاف المقاييس بين يوم ويوم!