فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

{ تعرج الملائكة والروح إليه } أي تصعد في تلك المعارج التي جعلها الله لهم ، قرأ الجمهور تعرج بالفوقية ، وقرئ بالتحتية ، والروح جبريل أفرد بالذكر بعد الملائكة لشرفه ، ويؤيد هذا قوله : { نزل به الروح الأمين } وقيل الروح هنا ملك آخر عظيم غير جبريل ، وقال أبو صالح : إنه خلق من خلق الله سبحانه كهيئة الناس وليسوا من الناس ، وقال قبيصة بن ذؤيب : إنه روح الميت حين يقبض والأول أولى ، ومعنى " إليه " إلى المكان الذي ينتهون إليه وقيل إلى عرشه ، وقيل إلى مهبط أمره من السماء ، وقيل هو كقول إبراهيم : { إني ذاهب إلى ربي } أي إلى حيث أمرني ربي .

{ في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة } قال ابن إسحق والكلبي ووهب بن منبه أي تعرج الملائكة إلى المكان الذي هو محلها في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة ، وبه قال مجاهد وقال عكرمة : وروي عن مجاهد أن مدة عمر الدنيا هذا المقدار لا يدري أحدكم مضى ولا كم بقي ولا يعلم ذلك إلا الله .

والكلام على مدة عمر الدنيا ماضيها وباقيها مبسوط في كتابنا لقطة العجلان مما تمس إليه حاجة الإنسان ، وقال قتادة والكلبي ومحمد بن كعب أن المراد يوم القيامة يعني أن مقدار الأمر فيه لو تولاه غيره سبحانه خمسون ألف سنة ، وهو سبحانه يفرغ منه في ساعة ، وقيل إن مدة موقف العباد للحساب هي هذا المقدار ثم يستقر بعد ذلك أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، وقيل أن مقدار يوم القيامة على الكافرين خمسون سنة وعلى المؤمنين مقدار ما بين الظهر والعصر .

وقيل ذكر هذا المقدار لمجرد التمثيل والتخييل لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها أو لطول يوم القيامة باعتبار ما فيه من الشدائد والمكاره كما تصف العرب أيام الشدة بالطول ، وأيام الفرح بالقصر . ويشبهون اليوم القصير بإبهام القطاة ، والطويل بظل الرمح ، وحينئذ لا تنافي بين هذه الآية وبين آية السجدة { في يوم كان مقداره ألف سنة } لأنه أيضا مسوق على سبيل التشديد على الكافرين .

وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه ، وقال ابن عباس : في الآية منتهى أمره من أسفل الأرضين على منتهى أمره من فوق سبع سماوات مقدار خمسين ألف سنة .

وقوله { في يوم كان مقداره ألف سنة } قال يعني ينزل الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، فذلك مقداره ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ، وعنه قال غلظ كل أرض خمسمائة عام ، وغلظ كل سماء خمسمائة عام وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ، ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام ، فذلك أربعة عشر ألف عام ، بين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام فذلك قوله : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } .

وعنه في قوله : { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } قال هذا في الدنيا تعرج الملائكة في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ، وفي قوله : { مقداره خمسين ألف سنة } فهذا يوم القيامة جعله الله سبحانه على الكافرين خمسين ألف سنة ، وعنه قال لو قدرتموه لكان خمسين ألف سنة من أيامكم يعني يوم القيامة .

وعن أبي سعيد الخدري قال : قيل يا رسول الله يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال : " والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " ( {[1630]} ) أخرجه أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم وهما ضعيفان .

وعن أبي هريرة مرفوعا قال : " ما قدر طول يوم القيامة على المؤمنين إلا كقدر ما بين الظهر إلى العصر " أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في البعث .

ولو كان المراد حقيقة العدد لم يعقل أن الزمان الواحد يكون مقداره خمسين ألف سنة ، ويكون مقداره ألف سنة ، ويكون مقداره قدر صلاة ركعتين ، وقيل العدد على حقيقته فإن يوم القيامة خمسون موطنا كل موطن ألف سنة والله أعلم بمراده بذلك .

وقد قيل في الجمع أن من أسفل العالم إلى العرش خمسين ألف سنة ، ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة لأن غلظ كل سماء خمسمائة عام . وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة عام كما تقدم ، فالمعنى أن الملائكة إذا عرجت من أسفل العالم إلى العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة . وإن عرجوا من هذه الأرض التي نحن فيها إلى باطن هذه السماء التي هي سماء الدنيا كان مسافة ذلك ألف سنة . وقد تقدم ما يؤيد هذا عن ابن عباس . وقد قدمنا الجمع بين هذه الآية وآية السجدة في سورة السجدة فتذكر .


[1630]:رواه الإمام أحمد عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظه:"والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا" ورواه ابن جرير الطبري عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به، ودراج وشيخه أبو الهيثم ضعيفان.