في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

وبعد هذا الافتتاح الذي يقرر كلمة الفصل في موضوع العذاب ، ووقوعه ، ومستحقيه ، ومصدره ، وعلو هذا المصدر ورفعته ، مما يجعل قضاءه أمرا علويا نافذا لا مرد له ولا دافع . . بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب ، والذي يستعجلون به وهو منهم قريب . ولكن تقدير الله غير تقدير البشر ، ومقاييسه غير مقاييسهم :

من الاية 4 الى الاية 5

( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فاصبر صبرا جميلا ، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) . .

والأرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة ، لأن السياق يكاد يعين هذا المعنى . وفي هذا اليوم تصعد الملائكة والروح إلى الله . والروح : الأرجح أنه جبريل عليه السلام ، كما سمي بهذا الاسم في مواضع أخرى . وإنما أفرد بالذكر بعد الملائكة لما له من شأن خاص . وعروج الملائكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك بالذكر ، إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته ، وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم ومهامه . ولا ندري نحن - ولم نكلف أن ندري - طبيعة هذه المهام ، ولا كيف يصعد الملائكة ، ولا إلى أين يصعدون . فهذه كلها تفصيلات في شأن الغيب لا تزيد شيئا من حكمة النص ، وليس لنا إليها من سبيل ، وليس لنا عليها من دليل . فحسبنا أن نشعر من خلال هذا المشهد بأهمية ذلك اليوم ، الذي ينشغل فيه الملائكة والروح بتحركات تتعلق بمهام ذلك اليوم العظيم .

وأما ( كان مقداره خمسين ألف سنة ) . . فقد تكون كناية عن طول هذا اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي . وقد تعني حقيقة معينة ، ويكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض فعلا وهو يوم واحد ! وتصور هذه الحقيقة قريب جدا الآن . فإن يومنا الأرضي هو مقياس مستمد من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة . وهناك نجوم دورتها حول نفسها تستغرق ما يعادل يومنا هذا آلاف المرات . . ولا يعني هذا أنه المقصود بالخمسين ألف سنة هنا . ولكننا نذكر هذه الحقيقة لتقرب إلى الذهن تصور اختلاف المقاييس بين يوم ويوم !