غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

1

قوله { تعرج الملائكة والروح } وفي مواضع أخرى يوم يقوم الروح والملائكة . قيل : إن الروح أعظم الملائكة قدراً وهو أول في درجة نزول الأنوار من جلال الله ، ومنه تتشعب إلى أرواح سائر الملائكة والبشر في آخر درجات منازل الأرواح . وبين الطرفين معارج مراتب أرواح الملائكة ومدارج منازل الأنوار القدسية ولا يعلم تفصيلها إلا الله . وأما المتكلمون فالجمهور منهم قالوا : إن الروح هو جبريل عليه السلام . ولا استدلال لأهل التشبيه في لفظ { المعارج } فإنا بينا أنها المراتب . قوله { إليه } إلى عرشه أو حكمه أو إلى حيث تهبط أوامره أو إلى مواضع العز والكرامة . والأكثرون على أن قوله { في يوم } من صلة { تعرج } . أي يحصل العروج في مثل هذا اليوم وهو يوم القيامة . قال الحسن : يعني من موقفهم للحساب إلى حين يقضي بين العباد خمسون ألف سنة من سني الدنيا ، ثم بعد ذلك يستقر أهل الجنة في الجنة إلى آخر الآية . والأصح أن هذا الطول إنما يكون للكافر لما " روي عن أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسوله صلى الله عليه وسلم : ما أطول هذا اليوم ؟ فقال : والذي نفسي بيه إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة في الدنيا " ومنهم من قال : إن ذلك الموقف وإن طال فقد يكون سبباً لمزيد السرور والراحة للمؤمن . ومنهم من قال : إن هذه المدة على سبيل التقدير لا على سبيل التحقيق . والمعنى أنه لو اشتغل بذلك القضاء والحكومة أعقل الناس وأدهاهم لبقي فيه خمسين ألف سنة . ثم إنه تعالى يتمم ذلك القضاء والحكومة في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا . وأيضاً الملائكة يعرجون إلى مواضع لو أراد واحد من أهل الدنيا أن يصعد إليها لبقي في ذلك الصعود خمسين ألف سنة ثم إنهم يصعدون إليها في ساعة . قاله وهب وجماعة من أهل التفسير . وقال أبو مسلم : إن هذا اليوم الدنيا كلها من أول ما خلق العالم إلى القيامة وفيه يقع عروج الملائكة . ثم لا يلزم من هذا أن يصير وقت القيامة معلوماً لأنا لا ندري كم مضى وكم بقى . ومر في " ألم السجدة " . وقال جمع من المفسرين قوله { في يوم } من صلة { واقع } أي يقع ذلك العذاب في يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنيكم وهو يوم القيامة . وثم يحتمل أن يكون المراد منه استطالة ذلك اليوم لشدته على الكفار ، ويحتمل أن العذاب الذي سأله السائل يكون مقدراً بهذه المدة ثم ينقله الله تعالى إلى نوع آخر من العذاب . يروى عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن هذه الآية وعن قوله { في يوم كان مقداره ألف سنة } فقال : أيام سماها الله هو أعلم بها كيف تكون وأكره أن أقول فيها ما لا علم لي به . وقال وهب في الجواب : من أسفل العالم إلى أعلى شرف العرش مسيرة خمسين ألف سنة ، ومن أعلى السماء الدنيا إلى الأرض مسيرة ألف سنة ، لأن عرض كل سماء من السموات السبع مسيرة خمسمائة سنة ، وبين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة أخرى ، فالمراد مقدار ألف سنة لو صعدوا إلى سماء الدنيا ومقدار خمسين ألف سنة لو صعدوا إلى العرش .

/خ44