الآية 4 قوله تعالى : { تعرج الملائكة والروح إليه } يحتمل أن يكون معنى قوله : { تعرج } ليس عن هبوط : يصعد ، ويعرج . لكن أنشأهم كذلك معروجين كقوله : { وأنزل لكم من الأنعام } [ الزمر : 6 ] أي أنشأهم كذلك ، وقوله عز وجل : { والسماء رفعها } [ الرحمان : 7 [ ليست أنها كانت ]{[22016]} في موضع منحط ، فرفعها ، لكنه كذلك خلقها مرفوعة .
فعلى ذلك قوله عز وجل : { تعرج الملائكة } أي أنشأهم كذلك استعملهم { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } .
ووجه آخر ، هو الأشبه بالآية ، وهو ما قالوا : إن الملائكة تعرج إليه أي إلى الموضع الذي عنه أرسلهم إلى أنواع الأمور في يوم ، لو قدر ذلك العروج بعروج البشر وسيرهم لكان مقدار خمسين ألف سنة .
وقوله تعالى : { في يوم كان مقدراه ألف سنة } وقال في موضع آخر : { في يوم كان مقدراه ألف سنة مما تعدون } . [ السجدة : 5 ] فيحتمل أن يكون هذا الوقت وقت تقدير عروج الملائكة وصعودهم ، وهو أن البعض منهم{[22017]} ينزل ، ثم يعرج في يوم واحد ، مقدار ذلك المسير ألف عام ، والبعض منهم ينزل ، ويعرج في يوم واحد مسيرة خمسين ألف سنة .
فيكون في هذا إبانة أن ليس [ أهل ] {[22018]} سماء أحق أن يدور عليهم تدبير أهل الأرض من أهل سماء ، بل ينزل أهل سماء إلى الأرض مرة لما يراد من تدبير ، وينزل أهل سماء أخرى بتدبير آخر .
ثم أي [ أهل ]{[22019]} سماء يرسل ، فهو يصعد إلى تلك السماء بيوم واحد ، إن أرسل من السماء السابعة أو السادسة أو الأولى ، فهو يصعد إليها في ذلك اليوم ، فيكون في هذا تبيين قوة بعض الملائكة على بعض : أن فيهم من يسير مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد ، وفيهم [ من ]{[22020]} يسير مسيرة ألف سنة ، ومن قدر على أن يخلق في خلق من خلائقه من القوة ما يقطع هذه المسافة في يوم واحد ، لا يحتمل أن يعجزه شيء .
فيكون في ذكر هذا تحقيق كون ما به هولوا من القيامة والبعث .
وجائز{[22021]} أن يكون قوله : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } راجعا إلى يوم القيامة ، فذكر في موضع : { في يوم كان مقدراه ألف سنة } [ السجدة : 5 ] وذكر ههنا : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } .
فالأصل أن ذلك اليوم ليس بذي حد ، ولا له غاية ، ينتهي إليه ، يخبر فيه عن الحد ، فهو يخرج مخرج تعظيم ذلك اليوم ليقع به التهويل والتفزيع ، فأي شيء يعظم ذكره في القلوب يذكر بالخلود ، وهو قوله عز وجل : { ذلك يوم الخلود } [ ق : 34 ] ومرة قال : { لابثين فيها أحقابا } [ النبأ : 23 ] ومرة قال : { خمسين ألف سنة } [ المعارج : 4 ] ومرة قال : { ألف سنة } [ السجدة : 5 ] إذ هذه الأشياء مما تعظم في القلوب ، وكذلك الألف ، هي عظيمة القلوب .
فإذا كانت هذه الأشياء يعظم ذكرها في القلوب فذكر الشيء الواحد من الجملة ، أو ذكر الأشياء يقتضي معنى واحدا .
ومنهم من يصرف الألف إلى تقدير عروج الخلائق إلى السماء في ذلك اليوم ، ويصرف قوله : { خمسين ألف سنة } إلى تقدير المقام للحساب قبل أن يدخلوا النار .
وجائز أن يكون تأويله على ما ذكره بعض أهل التفسير ، وهو أن الله تعالى لو جعل حساب الخلق يومئذ إلى الخلق ، فتكلفوا أن يفرغوا من حسابهم لن يفرغوا منه إلا في مقدار خمسين ألف سنة . لكن الله تعالى بلطفه يحاسبهم حسابا ، يفرغ {[22022]} منه في أدنى وقت حتى يصير [ أهل ]{[22023]} الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار على ما جاء في الأخبار ، وذلك قوله عز وجل { ألف سنة مما تعدون } [ السجدة : 5 ] أن كيف قدر ذلك بصعودنا ، ونحن لم نتمكن من الصعود ، ولم ننشأ على ما في طبعنا إنشاء الصعود حتى ننظر أنه ألف سنة أو أقل أو أكثر .
وجوابه أن يقال : إن تأويله ، والله اعلم ، أنه لو بسط ما بين السماء والأرض ، فصار بحيث يمكن السير عليه ، لم تقطع ذلك السير إذا احتجنا إلى قطعه إلا بألف سنة مما نعد {[22024]} .
وجائز أن يكون تأويله أن لو جعل إلى السماء بابا ، وفتح ، وظللنا نعرج إليها ، لم نتوصل إليها إلا في ألف عام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.