قوله تعالى : { وهو الذي خلق من الماء } من النطفة ، { بشراً فجعله نسباً وصهراً } أي : جعله ذا نسب وصهر ، وقيل : النسب : ما لا يحل نكاحه ، والصهر : ما يحل نكاحه ، فالنسب ما يوجب الحرمة ، والصهر ما لا يوجبها ، وقيل : وهو الصحيح : النسب من القرابة ، والصهر : تشبه القرابة ، وهو السبب المحرم للنكاح ، وقد ذكرنا أن الله تعالى حرم بالنسب سبعاً وبالسبب سبعاً ، في قوله : { حرمت عليكم أمهاتكم } . { وكان ربك قديراً * }
{ 54 } { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا }
أي : وهو الله وحده لا شريك له الذي خلق الآدمي من ماء مهين ، ثم نشر منه ذرية كثيرة وجعلهم أنسابا وأصهارا متفرقين ومجتمعين ، والمادة كلها من ذلك الماء المهين ، فهذا يدل على كمال اقتداره لقوله : { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا } ويدل على أن عبادته هي الحق وعبادة غيره باطلة لقوله : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا }
وقوله تعالى : { وهو الذي خلق من الماء } الآية ، هو تعديد النعمة على الناس في إيجادهم بعد العدم ، والتنبيه على العبرة في ذلك وتعديد النعمة في التواشج الذي جعل بينهم من النسب والصهر ، وقوله { من الماء } إما أن يريد أصل الخلقة في أن كل حي مخلوق من الماء ، وإما أن يريد نطف الرجال وكل ذلك قالته فرقة ، والأول أفصح وأبين ، و «النسب والصهر » معنيان يعمان كل قربى تكون بين كل آدميين ، ف «النسب » هو أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو في أم قرب ذلك أو بعد ، و «الصهر » تواشج المناكحة ، فقرابة الزوجة هم الأختان{[8850]} ، وقرابة الزوج ثم الأحماء{[8851]} والأصهار يقع عاماً لذلك كله ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «النسب » ما لا يحل نكاحه «والصهر » ما يحل نكاحه وقال الضحاك «الصهر » قرابة الرضاع .
قال القاضي أبو محمد : وذلك عندي وهم أوجبه أن ابن عباس قال حرم من النسب سبع ومن الصهر خمس ، وفي رواية أخرى من الصهر سبع يريد قول الله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } [ النساء : 23 ] ، فهذا هو من النسب . ثم يريد ب «الصهر » قوله تعالى : { وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف }{[8852]} [ النساء : 23 ] ، ثم ذكر المحصنات ، ومجمل هذا أن ابن عباس أراد حرم من الصهر مع ما ذكر معه فقصد مما ذكر إلى عظمه وهو الصهر{[8853]} لأن الرضاع صهر وإنما الرضاع عديل النسب يحرم منه ما يحرم من النسب بحكم الحديث المأثور فيه ، ومن روى وحرم من الصهر خمس أسقط من الآية الجمع بين الأختين والمحصنات وهن ذواتي الأزواج{[8854]} ، وحكى الزهراوي قولاً أن «النسب » من جهة البنين «والصهر » من جهة البنات .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا حسن وهو في درج ما قدمته ، وقال ابن سيرين نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي لأنه جمعه معه نسب وصهر فاجتماعهما وكاد حرمة إلى يوم القيامة . وقوله { وكان ربك قديراً } هي { كان } التي للدوام قبل وبعد لا أنها تعطي مضياً فقط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.