فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا} (54)

ثم ذكر سبحانه حالة من أحوال خلق الإنسان من الماء فقال :

{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا } أي خلق من ماء النطفة إنسانا ، وقيل المراد بالماء ، الماء المطلق الذي يراد في قوله { وجعلنا من الماء كل شيء حي } . وقيل هو الماء الذي خمرت به طينة آدم عليه السلام وجعله جزءا من مادة البشر ، ليجتمع ، ويتسلسل ، ويستعد لقبول الأشكال والهيئات بسهولة ، قاله أبو السعود .

{ فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } أي جعله ذا نسب وصهر ، قيل المراد بالنسب هو الذي لا يحل نكاحه ، والصهر ما يحل نكاحه قاله الفراء والزجاج ، واشتقاق الصهر من صهرت الشيء إذا خلطته وسميت المناكح صهرا لاختلاط الناس بها وقيل الصهر قرابة النكاح فقرابة الزوجة هم الأختان ، وقرابة الزوج هم الأحماء ، والأصهار تعمهما . قاله الأصمعي .

وفي القاموس الصهر بالكسر ، القرابة والخنن وجمعه أصهار . وفي المصباح قال الخليل : الصهر أهل بيت المرأة قال : ومن العرب من يجعل الأحماء والأختان جميعا أصهارا . وقال الأزهري : الصهر يشتمل على قرابات النساء ، ذوي المحارم كالأبوين ، والإخوة وأولادهم والأعمام والأخوال والخالات فهؤلاء أصهار زوج المرأة ، ومن كان من قبل الزوج من ذوي قرابته المحارم فهم أصهار المرأة أيضا .

وقال ابن السكيت : كل من كان من قبل الزوج من أبيه أو أخيه أو عمه ، فهم الأحماء ومن كان من قبل المرأة فهم الأختان ويجمع الصنفين الأصهار وصاهرت لهم وإليهم وفيهم صهرت لهم صهرا انتهى . وفي القرطبي : النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين ، قال الواحدي : قال المفسرون : النسب سبعة أصناف من القرابة يجمعهما قوله : { حرمت عليكم أمهاتكم } إلى قوله { وأمهات نسائكم } ومن هنا إلى قوله { وأن تجمعوا بين الأختين } تحريم بالصهر وهو الخلطة التي تشبه القرابة وهو النسب المحرم للنكاح ، وقد حرم الله سبعة أصناف من النسب وسبعة من جهة الصهر أي السبب ، قد اشتملت الآية المذكورة على ستة منها والسابعة قوله { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وقد جعل ابن عطية والزجاج وغيرهما الرضاع من جملة النسب ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " {[1325]} .

أراد سبحانه تقسيم البشر قسمين ذوي النسب أي ذكورا ينسب إليهم ، فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهن ، كقوله تعالى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى . وسئل عمر بن الخطاب عن نسب وصهر فقال : ما أراكم إلا وقد عرفتم النسب وأما الصهر فالأختان ، والصحابة .

{ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا } أي بليغ القدرة عظيمها ، ومن جملة قدرته الباهرة خلق الإنسان من النطفة الواحدة وتقسيمه إل القسمين المذكورين ،


[1325]:مسلم 1445 ـ البخاري 1283.