فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا} (54)

ثم ذكر سبحانه حالة من أحوال خلق الإنسان والماء ، فقال : { وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الماء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } ، والمراد بالماء هنا ماء النطفة : أي خلق من ماء النطفة إنساناً ، فجعله نسباً وصهراً ، وقيل المراد بالماء : الماء المطلق الذي يراد في قوله : { وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ } [ الأنبياء : 30 ] ، والمراد بالنسب : هو الذي لا يحلّ نكاحه . قال الفراء ، والزجاج : واشتقاق الصهر من صهرت الشيء : إذا خلطته ، وسميت المناكح صهراً لاختلاط الناس بها . وقيل : الصهر : قرابة النكاح ؛ فقرابة الزوجة هم الأختان ، وقرابة الزوج هم الأحماء ، والأصهار تعمهما ، قاله الأصمعي . قال الواحدي : قال المفسرون : النسب سبعة أصناف من القرابة يجمعها قوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم } إلى قوله : { وأمهات نِسَائِكُمْ } [ النساء : 23 ] ومن هنا إلى قوله : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين } [ النساء : 23 ] تحريم بالصهر ، وهو الخلطة التي تشبه القرابة ، حرم الله سبعة أصناف من النسب ، وسبعة من جهة الصهر ، قد اشتملت الآية المذكورة على ستة منها ، والسابعة قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مّنَ النساء } [ النساء : 22 ] ، وقد جعل ابن عطية ، والزجاج ، وغيرهما الرضاع من جملة النسب ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم :«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } أي بليغ القدرة عظيمها ، ومن جملة قدرته الباهرة خلق الإنسان ، وتقسيمه إلى القسمين المذكورين .

/خ54