السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا} (54)

ثم ذكر النوع الخامس بقوله تعالى : { وهو } أي : وحده { الذي خلق من الماء } أي : المني من الرجل والمرأة { بشراً } أي : إنساناً { فجعله } أي : بعد ذلك بالتطوير في أطوار الخلقة والتدوير في أدوار التربية { نسباً } أي : ذكراً ينسب إليه { وصهراً } أي : أنثى يصاهر بها فيقسم هذا الماء بعد التطوير إلى ذكر وأنثى كما جعل ذلك الماء قسمين عذباً وملحاً ونحو هذا قوله تعالى : { فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } ( القيامة ، 39 ) ، وقيل : النسب ما لا يحل نكاحه ، والصهر ما يحل نكاحه ، فالنسب ما يوجب الحرمة ، والصهر ما لا يوجبها ، قال البغوي : وقيل وهو الصحيح : النسب من القرابة والصهر الخلطة التي تشبه القرابة وهو النسب المحرم للنكاح ، وقد ذكر الله تعالى أنه حرم للنسب سبعاً في قوله تعالى في النساء : { حُرّمت عليكم أمهاتكم } ( النساء ، 23 ) { وكان ربك } أي : المحسن إليك بإرسالك وإنزال هذا الذكر إليك { قديراً } حيث خلق من مادة واحدة بشراً ذا أعضاء مختلفة وطبائع متباعدة ، وجعله قسمين ذكراً وأنثى ، وربما يخلق من نطفة واحدة نوعين ذكراً وأنثى فهو يوفق من يشاء فيجعله عذب المذاق سهل الأخلاق ، ويخذل من يشاء فيجعله مر الأخلاق كثير الشقاق غريقاً في النفاق .