تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا} (54)

المفردات :

نسبا وصهرا : ذكورا ينسب إليهم ، وإناثا يصاهرن بهن .

التفسير :

54- { وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا } .

وهذا أيضا لون من ألوان القدرة ، حيث خلق الله من النطفة المهينة حين يختلط ماء الرجل بماء المرأة ويتم الإخصاب ، حيث يتحول الماء المهين إلى نطفة مخصّبة تعلق في جدار الرّحم وتتشبث به ، وتسبح في دماء من دماء الأم ، وتتحول العلقة إلى قطعة لحم قدر ما يمضغ تسمى المضغة ، ثم تتحول المضغة إلى عظام ، أو هيكل عظمي هو أساس تكوين الإنسان ، ثم يكسى هذا الهيكل العظمي باللحم ، ثم يتحول خلقا آخر متكامل الخلقة والتقاسيم ، مستكمل أسباب الوجود والحياة ، فيه العينان والأذنان واليدان والرجلان وسائر الأجهزة : كالجهاز العصبي ، والجهاز اللمفاوي والجهاز التناسلي ، والجهاز الهضمي ، فضلا عن مشروع متكامل ، لإنسان مستكمل الجمال والأطراف والخلقة ، كالشعر والأنف والأسنان والفم واللهاة ، والبلعوم والمرىء والبطن والفخذ والساق ، والقدم وسائر الأجزاء ، التي تتمم إنسانية الإنسان ، وتجعل منه مخلوقا كامل الأعصاب والإرادة والاختيار والعقل والتصرف ، وهو سيد المخلوقات ، قال تعالى : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا* إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } [ الإنسان : 2-3 ] .

وقال سبحانه : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } [ الإسراء : 70 ] .

وقال عز شأنه : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة . . } [ النحل : 78 ] .

وقال تعالى : { ألم نجعل له عينين*ولسانا وشفتين*وهديناه النجدين } [ البلد : 8-10 ]

وقال تعالى : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركبك } [ الانفطار : 6-8 ] .

{ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا }

أي : خلق الله الإنسان من الماء ، قال تعالى : { وجعلنا من الماء كل شيء حي . . } [ الأنبياء : 30 ] فالماء يروي الزرع ، والإنسان يتغذى به ، ثم تكون النطفة التي هي أصل الإنسان ، أو أن الإنسان مخلوق من ماء المنّي ، حيث خلقه الله بشرا سويا ، وجعل منه الذكر والأنثى ، فالذكر ينسب إليه الإنسان ، فيقال : فلان ابن فلان ، نسبة إلى أبيه ، والأنثى تكون سببا في المصاهرة والزواج ، وأصهار الزوج هم أقارب زوجته .

قال الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وقال تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى* ألم يكن نطفة من مني يمنى* ثم كان علقة فخلق فسوّى* فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } [ القيامة : 36-39 ] .

قال النيسابوري : ومن دلائل القدرة ، أحوال خلقة الإنسان ، والماء إما ماء العنصر ، كقوله : { وجعلنا من الماء كل شيء حي . . } [ الأنبياء : 30 ] أو النطفة .

ومعنى : { فجعله نسبا وصهرا } أنه قسم البشر قسمين : ذوي نسب ، وذوات صهر ، والأوّل : الذكور الذين ينسب إليهم الإنسان ، والثاني : الإناث اللاتي يصاهر بهن ، ونحوه قوله تعالى : { فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } [ القيامة : 39 ] ، والأصهار : أهل بيت المرأة ، كما قال الخليل بن أحمد21 .

ملحق بتفسير الآية

1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم أربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة ، ثم ينفخ فيه الروح ، ويكتب أجله ورزقه ، وشقي أو سعيد )22 .

2- إذا لم يكن النسب ثابتا شرعا لم تثبت حرمة المصاهرة ، وعليه قال الجمهور : إذا لم يكن نسب شرعا ، فلا صهر شرعا ، فلا يحرم الزنا بنت أم ولا أم بنت ، ولا بنتا من الزنا ، وما يحرم من الحلال ، لا يحرم من الحرام ، لأن الله امتن بالنسب والصهر على عباده ، ورفع قدرهما ، وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليها ، فلا يلحق الباطل بهما ولا يساويهما ، وقال الحنفية : تحرم البنت من الزنا ، أو الأخت أو بنت الابن من الزنا ، بسبب التولد من ماء الرجل .