قوله تعالى :{ وقالوا أآلهتنا خير أم هو } قال قتادة : أم هو يعنون محمداً ، فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا . وقال السدي وابن زيد : أم هو يعني عيسى ، قالوا : يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار ، وقال الله تعالى : { ما ضربوه } يعني هذا المثل ، { لك إلا جدلاً } خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله :{ وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } ( الأنبياء-98 ) ، هؤلاء الأصنام . { بل هم قوم خصمون } أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو اسحق الثعلبي ، أنبأنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله الجمشاوي ، أنبأنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا حجاج ابن دينار الواسطي ، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ ما ضل قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل } ثم قرأ { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } .
{ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعني : عيسى ، حيث نهي عن عبادة الجميع ، وشورك بينهم بالوعيد على من عبدهم ، ونزل أيضا قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }
ووجه حجتهم الظالمة ، أنهم قالوا : قد تقرر عندنا وعندك يا محمد ، أن عيسى من عباد الله المقربين ، الذين لهم العاقبة الحسنة ، فلم سويت بينه وبينها في النهي عن عبادة الجميع ؟ فلولا أن حجتك باطلة لم تتناقض .
ولم قلت : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } وهذا اللفظ بزعمهم ، يعم الأصنام ، وعيسى ، فهل هذا إلا تناقض ؟ وتناقض الحجة دليل على بطلانها ، هذا أنهى ما يقررون به هذه الشبهة [ الذي ]{[778]} فرحوا بها واستبشروا ، وجعلوا يصدون ويتباشرون .
وهي -وللّه الحمد- من أضعف الشبه وأبطلها ، فإن تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح ، وبين النهي عن عبادة الأصنام ، لأن العبادة حق للّه تعالى ، لا يستحقها أحد من الخلق ، لا الملائكة المقربون ، ولا الأنبياء المرسلون ، ولا من سواهم من الخلق ، فأي شبهة في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره ؟
{ وقالوا أألهتنا خير أم هو } أي آلهتنا خير عندك أم عيسى عليه السلام فإن يكن في النار فلتكن معه ، أو آلهتنا الملائكة خير أم عيسى عليه السلام فإذا أجاز أن يعبد ويكون ابن الله آلهتنا أولى بذلك ، أو آلهتنا خير أم محمد صلى الله عليه وسلم فنعبده وندع آلهتنا . وقرأ الكوفيون " أآلهتنا " بتحقيق الهمزتين وألف بعدهما . { ما ضربوه لك إلا جدلا } ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من الباطل . { بل هم قوم خصمون } شداد الخصومة حراص على اللجاج .
وقوله تعالى : { آلهتنا } ابتداء معنى ثان ، وذلك أنه لما نزلت { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [ الأنبياء : 98 ] جاء عبد الله بن الزعبري ونظراؤه فقالوا : نحن نخصم محمداً : آلهتنا خير أم عيسى ؟ وعلموا أن الجواب أن يقال عيسى ، قالوا ، وهذه آية الحصب لنا أو لكل الأمم من الكفار فقال النبي عليه السلام : «بل لكل من تقدم أو تأخر من الكفار ، » فقالوا نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى ، إذ هو خير منها ، وإذ قد عبد فهو من الحصب إذاً ، فقال : { ما ضربوه لك إلا جدلاً } أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا جدلاً منهم ومغالطة ، ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه ولا عن إرادة ، ولا له في ذلك ذنب .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : «آءالهتنا » بهمزة استفهام وهمزة بعدها بين بين وألف بعدها . وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : بهمزتين مخففتين بعد الثانية ألف . وقرأ ورش عن نافع : بغير استفهام : «آلهتنا » على مثال الخبر . وقرأ قالون عن نافع : «ءالهتنا » على الاستفهام بهمزة واحدة بعدها مدة . وفي مصحف أبي بن كعب : «خير أم هذا » ، فالإشارة إلى محمد ، وخرجت هذه القراءة على التأويل الأول الذي فسرناه ، وكذلك قالت فرقة ممن قرأ : { أم هو } إن الإرادة محمد عليه السلام ، وهو قول قتادة . وقال ابن زيد والسدي المراد ب { هو } عيسى ، هذا هو المترجح .
والجدال عند العرب : المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتفق من القول إنما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظاهر إلا أن يتطلب الحق في نفسه ، وروى أبو أمامة عن النبي عليه السلام أنه قال : «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل » ثم قرأ : { ما ضربوه لك إلا جدلاً } قال أبو أمامة : ورأى عليه السلام قوماً يتنازعون ، فغضب حتى كأنما صب في وجهه الخل ، وقال :
«لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فما ضل قوم إلا أوتوا الجدل » ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد .
والاستفهام في قوله : { آلهتنا خير أم هو } تقريري للعلم بأن النبي يفضل عيسى على آلهتهم ، أي فقد لزمك أنك جعلت أهلاً للنار مَن كنتَ تفضله فأمرُ آلهتنا هيّن .
وضمير الرفع في { ما ضربوه } عائد إلى ابن الزبعرى وقومه الذين أعجبوا بكلامه وقالوا بموجبه . وضمير النصب الغائب يجوز أن يكون عائداً إلى المثَل في قوله : { ولما ضرب ابن مريم مثلاً } ، أي ما ضربوا لك ذلك المثل إلا جدلاً منهم ، أي محاجة وإفحاماً لك وليسوا بمعتقدين هَوْن أمر آلِهَتِهِمْ عندهم ، ولا بِطالبين الميزَ بين الحق والباطل ، فإنهم لا يعتقدون أن عيسى خير من آلهتهم ولكنهم أرادوا مجاراة النبي في قوله ليُفْضوا إلى إلزامه بما أرادوه من المناقضة .
ويجوز أن يكون ضمير النصب في { ضربوه } عائداً إلى مصدر مأخوذ من فعل { وقالوا } ، أي ما ضربوا ذلك القول ، أي ما قالوه إلا جَدلا . فالضرب بمعنى الإيجاد كما يقال : ضرب بيتاً ، وقول الفرزدق :
والاستثناء في { إلا جدلاً } مفرّغ للمفعول لأجله أو للحال ، فيجوز أن ينتصب { جدلاً } على المفعول لأجله ، أي ما ضربوه لشيء إلاّ للجدل ، ويجوز أن يُنصب على الحال بتأويله بمجادلين أي ما ضربوه في حال من أحوالهم إلا في حال أنهم مجادلون لا مؤمنون بذلك .
وقوله : { بل هم قوم خصمون } إضراب انتقالي إلى وصفهم بحب الخصام وإظهارهم من الحجج ما لا يعتقدونه تمويهاً على عامتهم .
والخَصِم بكسر الصاد : شديد التمسك بالخصومة واللجاج مع ظهور الحق عنده ، فهو يُظهر أن ذلك ليس بحق .
وقرأ الجمهور { آلهتنا } بتسهيل الهمزة الثانية . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي بتخفيفها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.