محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

{ وقالوا أألهتنا خير أم هو } يعنون بآلهتهم الملائكة الذين عبدوهم ، زعما منهم أنهم بنات الله تعالى . كما ذكر عنهم ذلك في أول السورة . أي أنهم خير من عيسى وأفضل ، لأنهم من الملأ الأعلى والنوع الأسمى ، فإذا جازت عبادة المفضول وهو عيسى ، فبالأولى عبادة الأفضل وهم الملائكة . كأنهم يقررون على شركهم أصولا صحيحة . ويبنون على تمسكهم أقيسة صريحة . وغفلوا ، لجهلهم ، عن بطلان المقيس والمقيس عليه . وأن البرهان الصادع قام على بطلان عبادة غيره تعالى ، وعلى استحالة التوالد في ذاته العلية . وإذا اتضح الهدى فما وراءه إلا الضلال ، والمشاغبة بالجدال . كما قال تعالى : { ما ضربوه لك إلا جدلا } أي ما ضربوا لك هذا القول إلا لأجل الجدل والخصومة ، لا عن اعتقاد ، لظهور بطلانه { بل هم قوم خصمون } أي شديدو الخصومة بالباطل تمويها وتلبيسا . وفي الحديث{[6490]} ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) وما ذكرناه في تفسير هذه الآية ، هو الجليّ الواضح ، لدلالة السياق والسباق : فقابل بينه وبين ما حكاه الغير وأنصف .


[6490]:أخرجه الترمذي في:44 – كتاب التفسير، 43 –سورة الزخرف، عن أبي أمامة.