قوله تعالى : { وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ } قرأ أهل الكوفة بتحقيق الهمزة الثانية والباقون{[49995]} بتسهيلها بين بين . ولم يدخل أحدٌ من القراء الذين من قاعدتهم الفصل بين الهمزتين بألفٍ أَلِفاً كراهة لتوالي أربع مُتَشَابِهَاتٍ . وأبدل الجميع الهمزة الثانية ألفاً ، ولا بد من زيادة بيان ، وذلك أن آلهة جمع إله كعِمَادٍ ، وأَعْمِدَةٍ ، فالأصْل أَأْلهةٌ ، بهمزتين الأولى زائدة ، والثانية فاء الكلمة ، وقعت الثانية ساكنةً بعد مفتوحة فوجب قلبُها ألفاً «كَآمَنَ{[49996]} وبابِهِ{[49997]} » ، ثم دخلت همزة الاستفهام على الكل فالتقى همزتان في اللفظ ، الأول للاستفهام ، والثانية همزة «أَفْعِلَةٍ » فالكوفيون لم يعتدوا باجتماعهما ، فأبقوهما على ما لَهُما ، وغيرهم استثقل فخفف الثانية بالتسهيل بين بين ، والثالثة ألف محضة لم تغير البتَّةَ{[49998]} . وأكثر أهل العصر يقرأون هذا الحرف بهمزة واحدة بعدها ألف على لفظ الخبر ولم يقرأ به أحدٌ من السبعة فيما علمنا إلا أنه قد روي أن وَرْشاً قرأ كذلك في رواية أبي الأَزهَر{[49999]} وهي تحتمل الاستفهام كالعامة . وإنما حذف أداة الاستفهام لدلالة أم عليها ، وهو كثير{[50000]} . ويحتمل أنه قرأه خبراً محضاً وحينئذ تكون أم منقطعة تقدر ببل{[50001]} والهمزة وأما الجماعة فهي عندهم متصلة{[50002]} . فقوله : «أَمْ هُوَ » على قراءة العامة عطف على «آلهتنا خير » وهو من عطف المفردات ، والتقدير : أَاَلهتنا أَمْ هُوَ خَيْرٌ ؟ أي أيهما خير ؟ وعلى قراءة ورش يكون هو مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره : بل أهُوَ خَيْرٌ . وليست «أمْ » حينئذ عاطفةً{[50003]} .
قال قتادة معنى قوله : «أمْ هُو » يعنون محمداً فنعبده ونترك آلهتنا . وقال السدي وابن زيد : أم هو يعني عيسى قالوا يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير ، والملائكة في النار{[50004]} ، قال الله تعالى : { مَا ضَرَبُوهُ } يعني هذا المثل : «لَكَ إلاَّ جَدَلاً » أي خصومة بالباطل ، فقد علموا أن المراد من قوله : { وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] هؤلاء الأصنام { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } مبالغون في الخُصُومَة . روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «مَا ضَلَّ قوم بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْه إلاَّ أُوتُوا الجَدَل » ثم قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }{[50005]} .
قوله : «جَدَلاً » مفعول من أجله ، أي لأجل الجدل والمِرَاء ، لا لإظهار الحق ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال أي إلا مُجَادِلين{[50006]} . وقرأ ابن مقسِم : جِدَالاً{[50007]} والوجهان جاريان فيه . والظاهر أن الضمير في «هو » لعيسى كغيره من الضمائر . وقيل : هو للنبيّ عليه الصلاة والسلام ، وبكُلِّ قال به المفسرون كما تقدم{[50008]} .
تمسك القائلون بذم الجدل بهذه الآية ، والآيات الكثيرة دالة على مدح الجدل فالتوفيق بينهما أن تًصْرَفَ الآيات الدالة على مدح الجدل إلى الجدل الذي يفيد تقرير الحق وتصرف هذه الآية إلى الجدل الذي يوجب تقرير الباطل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.