قوله عز وجل :{ اعلموا أنما الحياة الدنيا } أي : أن الحياة الدنيا " وما " صلة ، أي : إن الحياة في هذه الدار ، أي : إن الحياة في هذه الدار ، { لعب } باطل لا حاصل له ، { ولهو } فرح ثم ينقضي ، { وزينة } منظر تتزينون به ، { وتفاخر بينكم } يفخر به بعضكم على بعض ، { وتكاثر في الأموال والأولاد } أي : مباهاة بكثرة الأموال والأولاد ، ثم ضرب لها مثلاً فقال : { كمثل غيث أعجب الكفار } أي : الزراع ، { نباته } ما نبت من ذلك الغيث ، { ثم يهيج } ييبس ، { فتراه مصفراً } بعد خضرته ونضرته ، { ثم يكون حطاماً } يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى ، { وفي الآخرة عذاب شديد } قال مقاتل : لأعداء الله ، { ومغفرة من الله ورضوان } لأوليائه وأهل طاعته . { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } قال سعيد بن جبير : متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة ، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه .
{ 20-21 } { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه ، ويبين غايتها وغاية أهلها ، بأنها لعب ولهو ، تلعب بها الأبدان ، وتلهو بها القلوب ، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا ، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب ، والغفلة عن ذكر الله{[988]} وعما أمامهم من الوعد والوعيد ، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ، بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة ، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله ، ومعرفته ومحبته ، وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله ، من النفع القاصر والمتعدي .
[ وقوله : ] { وَزِينَةً } أي : تزين في اللباس والطعام والشراب ، والمراكب والدور والقصور والجاه . [ وغير ذلك ] { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أي : كل واحد من أهلها يريد مفاخرة الآخر ، وأن يكون هو الغالب في أمورها ، والذي له الشهرة في أحوالها ، { وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ } أي : كل يريد أن يكون هو الكاثر لغيره في المال والولد ، وهذا مصداقه ، وقوعه من محبي الدنيا والمطمئنين إليها .
بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها ، فجعلها معبرا ولم يجعلها مستقرا ، فنافس فيما يقربه إلى الله ، واتخذ الوسائل التي توصله إلى الله{[989]} وإذا رأى من يكاثره وينافسه بالأموال والأولاد ، نافسه بالأعمال الصالحة .
ثم ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الأرض ، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام ، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وأعجب نباته الكفار ، الذين قصروا همهم ونظرهم إلى الدنيا{[990]} جاءها من أمر الله [ ما أتلفها ] فهاجت ويبست ، فعادت على حالها الأولى ، كأنه لم ينبت فيها خضراء ، ولا رؤي لها مرأى أنيق ، كذلك الدنيا ، بينما هي زاهية لصاحبها زاهرة ، مهما أراد من مطالبها حصل ، ومهما توجه لأمر من أمورها وجد أبوابه مفتحة ، إذ أصابها القدر بما أذهبها من يده{[991]} ، وأزال تسلطه عليها ، أو ذهب به عنها ، فرحل منها صفر اليدين ، لم يتزود منها سوى الكفن ، فتبا لمن أضحت هي غاية أمنيته ولها عمله وسعيه .
وأما العمل للآخرة فهو الذي ينفع ، ويدخر لصاحبه ، ويصحب العبد على الأبد ، ولهذا قال تعالى : { وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ } أي : حال الآخرة ، ما يخلو من هذين الأمرين : إما العذاب الشديد في نار جهنم ، وأغلالها وسلاسلها وأهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته ومنتهى مطلبه ، فتجرأ على معاصي الله ، وكذب بآيات الله ، وكفر بأنعم الله .
وإما مغفرة من الله للسيئات ، وإزالة للعقوبات ، ورضوان من الله ، يحل من أحله{[992]} به دار الرضوان لمن عرف الدنيا ، وسعى للآخرة سعيها .
فهذا كله مما يدعو إلى الزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، ولهذا قال : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } أي : إلا متاع يتمتع به وينتفع به ، ويستدفع به الحاجات ، لا يغتر به ويطمئن إليه إلا أهل العقول الضعيفة الذين يغرهم بالله الغرور .
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الأجل بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جدا إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد ثم قرر ذلك بقوله كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجابا بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجابا ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاما ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله وفي الآخرة عذاب شديد تنفيرا عن الانهماك في الدنيا وحثا على ما يوجب كرامة العقبى ثم أكد ذلك بقوله ومغفرة من الله ورضوان أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.