قوله تعالى : { والذين كفروا فتعساً لهم } قال ابن عباس : بعداً لهم . وقال أبو العالية : سقوطاً لهم . وقال الضحاك : خيبةً لهم . وقال ابن زيد : شقاءً لهم . قال الفراء : هو نصب على المصدر ، على سبيل الدعاء . وقيل : في الدنيا العثرة ، وفي الآخرة التردي في النار . ويقال للعاثر : تعساً إذا لم يريدوا قيامه ، وضده لعاً إذا أرادوا قيامه ، { وأضل أعمالهم } لأنها كانت في طاعة الشيطان .
ثم قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ } ، عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تَعِس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد القَطِيفة - [ وفي رواية : تعس عبد الخميصة ] {[26634]} - تعس وانتكس ، وإذا شِيكَ فلا انتقش " ، أي : فلا شفاه الله .
وقوله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي : أحبطها وأبطلها ؛ ولهذا قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ }
هذا مقابل قوله : { والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم } [ محمد : 4 ] فإن المقاتلين في سبيل الله هم المؤمنون ، فهذا عطف على جملة { والذين قاتلوا في سبيل الله } [ محمد : 4 ] الآية .
والتعْس : الشقاء ويطلق على عدة معان : الهلاك ، والخيبة ، والانحطاط ، والسقوط ، وهي معان تحوم حول الشقاء ، وقد كثر أن يقال : تعسا له ، للعاثر البغيض ، أي سقوطاً وخروراً لا نهوض منه . ويقابله قولهم للعاثر : لعاً لهَ ، أي ارتفاعاً ، قال الأعشى :
بذات لَوث عفرناةٍ إذا عَثَرت *** فالتعسُ أولى لها من أن أقول لَعَا
وفي حديث الإفك : فعثرت أم مسطح في مِرطها فقالت : تَعِس مسطح لأن العثار تَعْس .
ومن بدائع القرآن وقوع { فتَعْساً لهم } في جانب الكفار في مقابلة قوله للمؤمنين : { ويُثبتْ أقدامكم } [ محمد : 7 ] .
والفعل من التعس يجيء من باب منع وباب سمع ، وفي « القاموس » إذا خاطبتَ قلتَ : تَعَست كمَنع ، وإذا حَكيت قلت : تَعِسَ كسمع .
وانتصب { تعساً } على المفعول المطلق بدلاً من فعله . والتقدير : فتعسوا تعسهم ، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله مثل تبًّا له ، وويحاً له . وقصد من الإضافة اختصاص التعس بهم ، ثم أدخلت على الفاعل لام التبيين فصار { تعساً لهم } . والمجرور متعلق بالمصدر ، أو بعامله المحذوف على التحقيق وهو مختار بن مالك وإن أباه ابنُ هشام . ويجوز أن يكون { تعساً لهم } مستعملاً في الدعاء عليهم لقصد التحقير والتفظيع ، وذلك من استعمالات هذا المركب مثل سَقياً له ورَعياً له وتَبًّا له وويحاً له وحينئذٍ يتعين في الآية فعل قول محذوف تقديره : فقال الله : تعساً لهم ، أو فيقال : تعساً لهم .
ودخلت الفاء على { تعساً } وهو خبر الموصول لمعاملة الموصول معاملة الشرط .
وقوله : { وأضل أعمالهم } إشارة إلى ما تقدم في أول السورة من قوله : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } [ محمد : 1 ] ، وتقدم القول على { أضلّ أعمالهم } هنالك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.