اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (8)

قوله : { والذين كَفَرُواْ } يجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : فَتَعِسُوا وأُتْعِسُوا ، بدليل قوله : { فَتَعْساً لَّهُمْ } وقوله : «فتعساً » منصوب بالخبر . ودخلت الفاء تشبيهاً للمبتدأ بالشرط{[51257]} . وقدر الزمخشري الفعل الناصب ل «تعساً » فقال : لأن{[51258]} المعنى يقال{[51259]} تعساً أي{[51260]} فقَضَى تَعْساً لَهُمْ{[51261]} . قال أبو حيان : وإضمار ما هو من لفظِ المصدر أولى . والثاني : أنه منصوب بفعل مقدر يفسره «فَتَعْساً لَهُمْ » ، كما تقول : زَيْدٌ جَدَعاً لَهُ{[51262]} . كذا قال أبو حيان{[51263]} تابعاً للزمخشري{[51264]} . وهذا لا يجوز لأن «لهم » لا يتعلق ب «تَعْساً » ، إنما هو متعلق بمحذوف لأنه بيان أي أعني عنهم{[51265]} . وتقدم تحقيق هذا . فإن عيَّنا{[51266]} إضماراً من حيثُ مُطْلَقُ الدَّلالة لا من جهة الاشتغال فمُسَلَّم ، ولكن تأباه عبارتُهُما وهي قولهما : منصوب بفعل مضمر يفسره «فتعساً لهم »{[51267]} . و«أَضَلَّ : عاطف على ذلك الفعل المقدر أي أتْعَسَهُمْ وأَضَلَّ أعمالهم{[51268]} والتَّعْسُ ضدّ السَّعْدِ ، يقال : تَعَسَ الرَّجُل بالفتح تَعْساً ، وأَتْعَسَهُ اللهُ ، قال مُجَمَّعٌ :

4465 تَقُولُ وَقَدْ أَفردْتُهَا عَنْ خَليلِهَا *** تَعَسْتَ كَمَا أَتْعَسْتَنِي يَا مُجَمَّعُ{[51269]}

وقيل : تعس بالكسر عن أبي الهَيْثَم{[51270]} وشَمِرٍ{[51271]} وغيرهما . وعن أبي عبيدة : تَعسهُ واتْعَسَهُ مُتَعَدِّيَانِ{[51272]} ، فهُما مَّما اتُّفِقَ فِيهِما فَعَلَ وأَفْعَلَ .

وقيل : التعس ضد الانتعاش ، قال الزمخشري ( رحمه الله تعالى ){[51273]} : وتعساً له نقيض لَعَا لَهُ{[51274]} يعني أن كلمة «لَعَا » بمعنى{[51275]} انْتَعَشَ قال الأعشى :

4466 بِذَاتِ لَوْث عَفْرَنَاةٍ إذَا عَثَرَتْ *** فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لعَا{[51276]}

وقيل : التعْسُ الهَلاَك . وقيل التعس الجَرُّ{[51277]} على الوجه ، والنّكْسُ الجر على الرأس{[51278]} .

فصل

قال ابن عباس : صَمْتاً لهم ، أي بُعْداً لهم . وقال أبو العالية : سُقْطاً لهم . وقال ابن زيد : شقاءً لهم{[51279]} وقال الفراء : هو نصب على المصدر على سبيل الدعاء{[51280]} . وقيل : في الدنيا العَثْرَةُ ، وفي الآخرة التَّردَّي في النار . ويقال للعاثر : تَعْساً إذا لم يريدوا قيامه وضده لمَا إذا أرادوا قيامه . وأضل أعمالهم ؛ لأنها كانت في طاعة الشيطان ، وهذا زِيَادَةٌ في تقوية قُلُوبِهِمْ ؛ لأنه تعالى قال : لَكُم الثباتُ ولهم الزوالُ والتَّعَثُّر .


[51257]:البحر المحيط 8/76 والتبيان 1161 و1160.
[51258]:في (ب) إن.
[51259]:في البحر: فقال.
[51260]:وفيه: أو هو بلفظ البحر عن الزمخشري انظر البحر 8/76.
[51261]:قال ـ رحمه الله ـ في الكشاف: "كأنه قال أتعس الذين كفروا".
[51262]:البحر والكشاف السابقين.
[51263]:البحر والكشاف السابقين.
[51264]:البحر والكشاف السابقين.
[51265]:في "ب لهم" بدل عنهم.
[51266]:في (ب) عينا.
[51267]:وما ذهب إليه الزمخشري وأبو حيان في نصب "تعسا" بفعل مقدر هو ما ذهب إليه الفراء في المعاني 3/58 والقرطبي في الجامع 16/232 والزجاج في المعاني في أحد قوليه 5/9 والنحاس في الإعراب 4/181 ومكي في المشكل 2/305 فلا معنى لاعتراض المؤلف على كلامهما.
[51268]:معاني الفراء وإعراب النحاس السابقين. وانظر أيضا التبيان 1161 وكذلك البحر والكشاف السابقين.
[51269]:من الطويل لمجمع بن هلال. وشاهده في تعس وأتعس حيث يأتي لازما ومتعديا. وانظر البحر 8/70، والقرطبي 16/233. واللسان تعس 433 وفتح القدير 5/32.
[51270]:أبو الهيثم خالد بن يزيد الرازي كان عالما بالعربية عذب العبارة، دقيق النظر. توفي سنة 226 وانظر نزهة الألباء 147.
[51271]:ابن حمدويه الهروي أبو عمرو اللغوي الأديب أخذ عن ابن الأعرابي والفراء والأصمعي وأبي حاتم. انظر البغية 2/4 و5 وانظر اللسان المرجع السابق (تعس).
[51272]:لم أعثر على رأيه هذا.
[51273]:زيادة من (أ).
[51274]:"لعا" كلمة يدعى بها للعاثر معناها الارتفاع.
[51275]:الكشاف 3/532 بالمعنى.
[51276]:هو له من البسيط وفي اللسان "أدنى" كما رواها المؤلف هنا. وقد رويت في الديوان 107، كما رواها القرطبي والبحر المحيط أولى ـ بالواو ـ والعفرناة الغول، واللوث القوة. وقد شبه ناقته بالغول، ولعا دعاء العاثر أن ينتعش أي سلمت ونجوت، وهو محل الشاهد. وانظر المحتسب 1/141 والبحر 8/70 والقرطبي 16/332 واللسان تعس 433، والكشاف 3/532 وشرح شواهده 450 و451.
[51277]:في القرطبي: الخر بالخاء.
[51278]:نسب القرطبي هذين الوجهين إلى ابن السكيت. قال: التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه. انظر القرطبي 16/233.
[51279]:ذكر هذه الأوجه القرطبي في المرجع السابق.
[51280]:معاني القرآن 3/58.