{ والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } من تعس الرجل بفتح العين تعساً أي سقط على وجهه ، وضده انتعش أي قام من سقوطه ، وقال شمر . وابن شميل . وأبو الهيثم . وغيرهم : تعس بكسر العين ، ويقال : تعساً له ونكساً على أن الأول كما قال ابن السكيت بمعنى السقوط على الوجه والثاني بمعنى السقوط على الرأس ، وقال الحمصي في «حواشيه على التصريح » : تعس تعساً أي لا انتعش من عثرته ونكساً بضم النون وقد تفتح إما في لغة قليلة وإما اتباعاً لتعساً ، والنكس بالضم عود المرض بعد النقه ، ويراد بذلك الدعاء ، وكثر في الدعاء على العاثر تعساً له ، وفي الدعاء له لعاً له أي انتعاشاً وإقامة ، وأنشدوا قول الأعشى يصف ناقة :
كلفت مجهولة نفسي وشايعني *** همي عليها إذا ما آلها لمعا
بذات لوث عفرناة إذا عثرت *** فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
وقال ثعلب . وابن السكيت أيضاً التعس الهلاك ، ومنه قول مجمع بن هلال :
تقول وقد أفردتها من حليلها *** تعست كما أتعستني يا مجمع
وفي «القاموس » التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط والفعل كمنع وسمع أو إذا خاطبت قلت : تعست كمنع وإذا حكيت قلت : تعس كسمع ، ويقال : تعسه الله تعالى وأتعسه ورجل تاعس وتعس ، وانتصابه على المصدر بفعل من لفظه يجب إضماره لأنه للدعاء كسقيا ورعياً فيجري مجرى الأمثال إذا قصد به ذلك ، والجار والمجرور بعده متعلق بمقدر للتبيين عند كثير أي أعني له مثلاً فنحو تعساً له جملتان .
وذهب الكوفيون إلى أنه كلام واحد ، ولابن هشام في هذا الجار مذكور في بحث لام التبيين فلينظر هناك .
واختلفت العبارات في تفسير ما في الآية الكريمة ، فقال ابن عباس : أي بعداً لهم . وابن جريج . والسدي أي حزناً لهم ، والحسن أي شتماً لهم ، وابن زيد أي شقاء لهم ، والضحاك أي رغماً لهم ، وحكى النقاش تفسيره بقبحا لهم ، وقال غير واحد : أي عثوراً وانحطاطاً لهم ، وما ألطف ذكر ذلك في حقهم بعد ذكر تثبيت الاقدام في حق المؤمنين ، وفي رواية عن ابن عباس يريد في الدنيا القتل وفي الآخرة التردي في النار ، وأكثر الأقوال ترجع إلى الدعاء عليهم بالهلاك .
وجوز الزمخشري في إعرابه وجهين . الأول : كونه مفعولاً مطلقاً لفعل محذوف كما تقدم . والثاني : مفعولاً به لمحذوف أي فقضى تعساً لهم ، وقدر على الأول القول أي فقال : تعساً لهم ، والذي دعاه لذلك على ما قيل جعل { الذين } مبتدأ والجملة المقرونة بالفاء خبراً له وهي لانشاء الدعاء والإنشاء لا يقع خبراً بدون تأويل ، فأما أن يقدر معها قول أو تجعل خبراً بتقدير قضى ، وجعل قوله تعالى : { وَأَضَلَّ أعمالهم } عطفاً على ما قدر .
وفي «الكشف » المراد من قال : تعساً لهم أهلكهم الله لا أن ثم دعاء وقولاً ، وذلك لأنه لا يدعي على شخص إلا وهو مستحق له فإذا أخبر تعالى أنه يدعو عليه دل على تحقق الهلاك لاسيما وظاهر اللفظ أن الدعاء منه عز وجل ، وهذا مجاز على مجاز أعني أن القول مجاز وكذلك الدعاء بالتعس ، ولم يجعل العطف على { تعساً } لأنه دعاء ، و { أَضَلَّ } أخبار ، ولو جعل دعاء أيضاً عطفاً على { تعساً } على التجوز المذكور لكان له وجه انتهى .
وأنت تعلم أن اعتبار ما اعتبره الزمخشري ليس لأجل أمر العطف فقط بل لأجل أمر الخبرية أيضاً ، فإن قيل بصحة الاخبار بالجملة الإنشائية من غير تأويل استغنى عما قاله بالكلية ، ودخلت الفاء في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط .
/ وجوز أن يكون الموصول في محل نصب على المفعولية لفعل مقدر يفسره الناصب لتعساً أي اتعس الله الذين كفروا أو تعس الله الذي كفروا تعساً لما سمعت عن «القاموس » وقد حكى أيضاً عن أبي عبيدة ، والفاء زائدة في الكلام كما في قوله تعالى : { وَرَبَّكَ فَكَبّرْ } [ المدثر : 3 ] ويزيدها العرب في مثل ذلك على توهم الشرط ، وقيل : يقدر الفعل مضارعاً معطوفاً على قوله تعالى : { يُثَبّتُ } [ محمد : 7 ] أي ويتعس الذين الخ . والفاء للعطف فالمراد اتعاس بعد اتعاس ، ونظيره قوله تعالى : { وإياى فارهبون } [ البقرة : 40 ] أو لأن حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الاجمال ، وفيه مقال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.