الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (8)

قوله : { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ } : يجوز أَنْ يكونَ مبتدأً ، والخبرُ محذوفٌ . تقديره : فَتَعِسُوا وأُتْعِسُوا ، يَدُلُّ عليه " فَتَعْساً " فتعساً منصوبٌ بالخبرِ . ودَخَلَتِ الفاءُ تشبيهاً للمبتدأ بالشرط . وقدَّرَ الزمخشري الفعلَ الناصبَ ل " تَعْساً " فقال : " لأنَّ المعنى : فقال تعساً أي : فقضى تَعْساً لهم " . قال الشيخ : " وإضمارُ ما هو من لفظِ المصدر أَوْلَى " . والثاني : أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدر يُفَسِّره " فتَعْساً لهم " كما تقول : زيداً جَدْعاً له ، كذا قال الشيخ تابِعاً للزمخشريِّ . وهذا لا يجوزُ لأنَّ " لهم " لا يتعلَّقُ ب " تَعْساً " ، إنما هو متعلقٌ بمحذوفٍ لأنَّه بيانٌ أي : أعني لهم : وقد تقدَّم تحقيقُ هذا والاستدلالُ عليه . فإنْ عَنَيا إضماراً مِنْ حيث مطلقُ الدلالةِ لا من جهةِ الاشتغالِ فَمُسَلَّمٌ ، ولكنْ تَأْباه عبارتُهما وهي قولُهما : منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسره " فَتَعْساً لهم " ، و " أَضَلَّ " عطفٌ على ذلك الفعل المقدرِ أي : أتعسَهُم وأضلَّ أعمالهم . والتَّعْسُ : ضدُّ السَّعْدِ يقال : تَعَسَ الرجلُ بالفتح تَعْساً وأَتْعَسَهَ اللَّهُ . قال مجمِّع :

4053 تقولُ وقد أَفْرَدْتُها مِنْ حَليلِها *** تَعِسْتَ كما أَتْعَسْتَني يا مُجَمِّعُ

وقيل : تعِس بالكسرِ ، عن أبي الهيثم وشَمِر وغيرِهما . وعن أبي عبيدة : تَعَسَه وأَتْعَسَه متعدِّيان فهما مما اتَّفَق فيهما فَعَل وأَفْعَل وقيل : التَّعْسُ ضدُّ الانتعاش . قال الزمخشري : " وتَعْساً له نقيض لَعَا له " يعني أنَّ كلمةَ " لَعا " بمعنى انتعش . قال الأعشى :

4054 بذاتِ لَوْثٍ عَفَرْناةٍ ، إذا عَثَرَتْ *** فالتَّعْسُ أَدْنى لها مِنْ أَنْ أقولَ لَعَا

وقيل : التَّعْسُ الهَلاك . وقيل : التَّعْسُ الجَرُّ على الوجهِ ، والنَّكْسُ الجرُّ على الرأس .