قوله تعالى : { أو كلما } . واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام .
قوله تعالى : { عاهدوا عهداً } . يعني اليهود . عاهدوا لئن خرج محمد ليؤمنن به ، فلما خرج إليهم محمد كفروا به . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الله عليهم وعهد إليهم في محمد أن يؤمنوا ، به قال مالك بن الصيف : والله ما عهد إلينا عهدا في محمد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يدل عليه قراءة أبي رجاء العطاردي أو كلما عوهدوا فجعلهم مفعولين ، وقال عطاء : هي العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود أن لا يعاونوا المشركين على قتاله فنقضوها كفعل بني قريظة والنضير ، دليله قوله تعالى : { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم } .
قوله تعالى : { نبذه } . طرحه ونقضه .
قوله تعالى : { فريق } . طوائف .
{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وهذا فيه التعجيب{[95]} من كثرة معاهداتهم ، وعدم صبرهم على الوفاء بها .
ف " كُلَّمَا " تفيد التكرار ، فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض ، ما السبب في ذلك ؟ السبب أن أكثرهم لا يؤمنون ، فعدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود ، ولو صدق إيمانهم ، لكانوا مثل من قال الله فيهم : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }
وقال مالك بن الصيف - حين بُعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم{[2286]} ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم{[2287]} والله ما عَهِد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم ولا أخذ [ له ]{[2288]} علينا ميثاقًا .
فأنزل الله : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ }
وقال الحسن البصري في قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } قال : نَعَم ، ليس في الأرض عَهْدٌ يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه ، يعاهدون اليوم ، وينقضون غدًا .
وقال السدي : لا يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : { نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ } أي : نقضه فريق منهم .
وقال ابن جرير : أصل النبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه سمي اللقيط : منبوذًا ، ومنه سمي النبيذ ، وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء . قال أبو الأسود الدؤلي :
نظرتُ إلى عنوانه فنبذْتُه *** كنبذك نَعْلا أخْلقَتْ من نعَالكا{[2289]}
{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ( 100 )
قال سيبويه : الواو واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام( {[1006]} ) ، وقال الأخفش : هي زائدة ، وقال الكسائي : هي «أو » وفتحت تسهيلاً ، وقرأها قوم «أوْ » ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل( {[1007]} ) ، وكما يقول القائل : لأضربنك فيقول المجيب : أوْ يكفي الله( {[1008]} ) .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا كله متكلف ، واو في هذا المثل متمكنة في التقسيم ، والصحيح قول سيبويه وقرىء «عهدوا عهداً » وقرأ الحسن وأبو رجاء «عوهدوا » و { عهداً } مصدر ، وقيل : مفعول بمعنى أعطوا عهداً ، والنبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه النبيذ والمنبوذ ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ويقع على اليسير والكثير من الجمع ، ولذلك فسرت كثرة النابذين بقوله : { بل أكثرهم } لما احتمل الفريق أن يكون الأقل( {[1009]} ) ، و { لا يؤمنون } في هذا التأويل حال من الضمير في { أكثرهم } ، ويحتمل الضمير العود على الفريق ، ويحتمل العود على جميع بني إسرائيل وهو أذم( {[1010]} ) لهم ، والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي مصحف ابن مسعود «نقضه فريق »( {[1011]} ) .
قوله : { أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم } استفهام مستعمل في التوبيخ معطوف على جملة القسم لا على خصوص الجواب وقدمت الهمزة محافظة على صدارتها كما هو شأنها مع حروف العطف . والقول بأن الهمزة للاستفهام عن مقدر محذوف والواوعاطفة ما بعدها على المحذوف علمتم إبطاله عند قوله تعالى : { أفكلما جاءكم رسول } . وتقديم { كلما } تبع لتقديم حرف الاستفهام وقد تقدم توجيهه عند قوله تعالى : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } [ البقرة : 87 ] .
والنبذ إلقاء الشيء من اليد وهو هنا استعارة لنقض العهد شبه إبطال العهد وعدم الوفاء به بطرح شيء كان ممسوكاً باليد كما سموا المحافظة على العهد والوفاء به تمسكاً قال كعب : *ولا تمسك بالوعد الذي وعدت * . والمراد بالعهد عهد التوراة أي ما اشتملت عليه من أخذ العهد على بني إسرائيل بالعمل بما أمروا به أخذاً مكرراً حتى سميت التوراة بالعهد ، وقد تكرر منهم نقض العهد مع أنبيائهم . ومن جملة العهد الذي أخذ عليهم أن يؤموا بالرسول المصدق للتوراة . وأسند النبذ إلى فريق إما باعتبار العصور التي نقضوا فيها العهود كما تؤذن به { كلما } أو احتراساً من شمول الذم للذين آمنوا منهم . وليس المراد أن ذلك الفريق قليل منهم فنبه على أنه أكثرهم بقوله : { بل أكثرهم لا يؤمنون } وهذا من أفانين البلاغة وهو أن يظهر المتكلم أنه يوفي حق خصمه في الجدال فلا ينسب له المذمة إلا بتدرج وتدبر قبل الإبطال .
ولك أن تجعلها للانتقال من شيء إلى ما هو أقوى منه في ذلك الغرض لأن النبذ قد يكون بمعنى عدم العمل دون الكفر والأول أظهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.