معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

قوله تعالى : { الذين تتوفاهم الملائكة } ، يقبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه ، قرأ حمزة : تتوفاهم بالياء وكان ما بعده ، { ظالمي أنفسهم } ، بالكفر ، ونصب على الحال أي : في حال كفرهم ، { فألقوا السلم } أي : استسلموا وانقادوا وقالوا : { ما كنا نعمل من سوء } ، شرك ، فقال لهم الملائكة : { بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون } . قال عكرمة : عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ْ } أي : تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيهم وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام من أنواع العذاب والخزي والإهانة .

{ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ْ } أي : استسلموا وأنكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ْ } فيقال لهم : { بَلَى ْ } كنتم تعملون السوء ف { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ } فلا يفيدكم الجحود شيئا ، وهذا في بعض مواقف القيامة ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظنا أنه ينفعهم ، فإذا شهدت عليهم جوارحهم وتبين ما كانوا عليه أقروا واعترفوا ، ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم : { فَأَلْقَوُا السَّلَمَ } أي : أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ } كما يقولون يوم المعاد : { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } [ المجادلة : 18 ] .

قال الله مكذبا لهم في قيلهم ذلك : { بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ }{[16402]} أي : بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان ، لمن كان متكبرًا عن آيات الله واتباع رسله .

وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم ، ويأتي{[16403]} أجسادهم في قبورها من حرِّها وسمومها ، فإذا كان يوم القيامة سلكت{[16404]} أرواحهم في أجسادهم ، وخلدت في نار جهنم ، { لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } [ فاطر : 36 ] ، كما قال الله تعالى : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] .


[16402]:في ت: "فبئس".
[16403]:في ت، أ: "وينال".
[16404]:في ت: "سالت".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ الذين } نعت للكافرين في قول أكثر المتأولين ، ويحتمل أن يكون { الذين } مرتفعاً بالابتداء منقطعاً مما قبله ، وخبره في قوله { فألقوا السلم } فزيدت الفاء في الخبر ، وقد يجيء مثل هذا ، و { الملائكة } يريد القابضين لأرواحهم ، وقوله { ظالمي أنفسهم } حال ، و { السلم } هنا الاستسلام ، أي رموا بأيديهم وقالوا { ما كنا نعمل من سوء } فحذف قالوا لدلالة الظاهر عليه ، قال الحسن : هي مواطن بمرة يقرون على أنفسهم كما قال { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين }{[7284]} [ الأنعام : 13 ] ومرة يجحدون كهذه الآية ، ويحتمل قولهم : { ما كنا نعمل من سوء } وجهين ، أحدهما أنهم كذبوا وقصدوا الكذب اعتصاماً منهم به ، على نحو قولهم { والله ربنا ما كنا مشركين }{[7285]} [ الأنعام : 2 ] ، والآخر أنهم أخبروا عن أنفسهم بذلك على ظنهم أنهم لم يكونوا يعملون سوءاً ، فأخبروا عن ظنهم بأنفسهم ، وهو كذب في نفسه . و { عليم بما كنتم تعملون } وعيد وتهديد ، وظاهر الآية أنها عامة في جميع الكفار ، وإلقاؤهم السلم ضد مشافهتهم قبل ، وقال عكرمة : نزلت في قوم من أهل مكة آمنوا بقلوبهم ولم يهاجروا فأخرجهم كفار مكة مكرهين إلى بدر ، فقتلوا هنالك فنزلت فيهم هذه الآية .

قال القاضي أبو محمد : وإنما اشتبهت عليه بالآية الأخرى التي نزلت في أولئك باتفاق من العلماء ، وعلى هذا القول يحسن قطع { الذين } ورفعه بالابتداء فتأمله والقانون أن { بلى } تجيء بعد النفي ونعم تجيء بعد الإيجاب ، وقد تجيء بعد التقرير ، كقوله أليس كذا ونحوه ، ولا تجيء بعد نفي سوى التقرير ، وقرأ الجمهور «تتوفاهم » بالتاء فوق ، وقرأ حمزة «يتوفاهم » بالياء وهي قراءة الأعمش ، قال أبو زيد : أدغم أبو عمرو بن العلاء السلم «ما » .


[7284]:من الآية (130) من سورة (الأنعام).
[7285]:من قوله تعالى في الآية (23) من سورة (الأنعام): {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}.