فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ الذين تتوفاهم الملائكة ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } قد تقدّم تفسيره . والموصول في محل الجر على أنه نعت للكافرين ، أو بدل منه ، أو في محل نصب على الاختصاص ، أو في محل رفع على تقدير مبتدأ ، أي : هم الذين تتوفاهم . وانتصاب { ظالمي أنفسهم } على الحال { فَأَلْقَوُا السلم } معطوف على { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي } وما بينهما اعتراض أي : أقرّوا بالربوبية ، وانقادوا عند الموت ، ومعناه الاستسلام قاله قطرب ، وقيل : معناه المسالمة ، أي : سالموا وتركوا المشاقة قاله الأخفش ؛ وقيل : معناه الإسلام ، أي : أقرّوا بالإسلام وتركوا ما كانوا فيه من الكفر ، وجملة { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء } يجوز أن تكون تفسيراً للسلم على أن يكون المراد بالسلم الكلام الدال عليه ، ويجوز أن يكون المراد بالسوء هنا الشرك ، ويكون هذا القول منهم على وجه الجحود والكذب ، ومن لم يجوّز الكذب على أهل القيامة حمله على أنهم أرادوا أنهم لم يعملوا سوءاً في اعتقادهم وعلى حسب ظنونهم ، ومثله قولهم : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] فلما قالوا هذا ، أجاب عليهم أهل العلم بقولهم : { بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : بلى كنتم تعملون السوء . إن الله عليم بالذي كنتم تعملونه ، فمجازيكم عليه ، ولا ينفعكم هذا الكذب شيئاً .