تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

الآية 28 : وقوله تعالى : { الذين تتوفاهم الملائكة } من بين يدي الله يوم الحساب إلى النار . وقال بعضهم : { تتوفاهم الملائكة } وقت قبض أرواحهم { ظالمي أنفسهم } بالشرك والكفر بالله على تأويل الحسن ، يكون قوله : { ظالمي أنفسهم } في الدنيا .

ويجوز أن يوصفوا بالظلم في الآخرة أيضا بكذبهم فيها في قولهم : { ما كنا مشركين } ( النعام : 23 ) وأمثاله من الكذب حين{[10141]} ينكرون الإشراك في ألوهية الله وعبادته . كان الإنكار والكذب منهم في أول حالهم ظنا منهم أن ذلك ينفعهم . فإذا لم ينفعهم إنكارهم طلبوا الرد إلى الدنيا أو إلى حال الأمن ليعملوا غير الذي عملوا كقولهم : { أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل } ( الأعراف : 53 ) . فإذا لم يردوا ، وأيسوا عن ذلك ، فعند ذلك / 284 – أ / أنطق الله جوارحهم تشهد عليهم بما كان منهم . فعند ذلك يقرون ، ويعترفون بذنوبهم كقوله : { اعترفوا بذنوبهم } ( التوبة : 102 ) .

وقوله تعالى : { الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم } قال بعضهم : يسلمون ، ويستسلمون لأمر الله . ولكن لو كان ما ذكروا لم يكونوا ينكرون عمل السوء كقولهم : { ما كنا نعمل من سوء } . وقال بعضهم : { فألقوا السلم } هو الاستخزاء{[10142]} والخضوع والتضرع .

ويشبه أن يكون قوله : { فألقوا السلم } عند الموت ؛ يؤمنون عند معاينة ذلك ، أو سلموا عليهم في الآخرة على ما رأوا في الدنيا المؤمنين يسلم بعضهم على بعض .

وقوله تعالى : { ما كنا نعمل من سوء } في الآخرة ، والله أعلم بذلك . فأكذبهم الله في قولهم : { ما كنا نعمل من سوء } فقال : { بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون } هذا وعيد ؛ يخبر ألا يجوز كذبهم في الآخرة ، ولا يحتمل ، كما جاز في الدنيا ، ولم يظهر .


[10141]:في الأصل وم: حيث.
[10142]:من م، في الأصل: الاستخدام.