نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

ثم رغبهم في التوبة بقوله : { الذين تتوفّاهم } بالفوقية في قراءة الجمهور لأن الجمع مؤنث ، وبالتحتية في قراءة حمزة لأن المجموع غير مؤنث ، وكان وفاتهم على وجهين : وجه خفيف - بما أشار إليه التأنيث لخفة كفر صاحبه ، وآخر ثقيل شديد لشدة كفر صاحبه ، ولم يحذف شيء من التاءين للإشارة إلى نقصان حالهم لأنه لا يمكن خيرها لموتهم على الكفر بخلاف ما تقدم في تارك الهجرة في النساء { الملائكة } أي المؤكلون بالموت ، حال كونهم { ظالمي أنفسهم } بوضعها من الاستكبار على الملك الجبار غير موضعها .

فلما تم ذلك على هذا الوجه البديع ، والأسلوب الرفيع المنيع ، ابتدأ الخبر عن جوابهم على وجه معلم بحالهم فقال : { فألقوا } أي من أنفسهم عقب قول الأولياء وبسبب سؤال ذي الكبرياء { السلم } أي المقادة والخضوع بدل ذلك التكبر والعلو قائلين ارتكاباً للكذب من غير احتشام : { ما كنا نعمل } وأعرقوا في النفي فقالوا : { من سوء } فكأنه قيل : إن هذا لبهتان عظيم في ذلك اليوم الجليل ، فماذا قيل لهم ؟ فقيل : { بلى } قد عملتم أعظم السوء ؛ ثم علل تكذيبهم بقوله : { إن الله } أي المحيط بكل شيء { عليم } أي بالغ العلم من كل وجه { بما كنتم } أي جبلة وطبعاً { تعملون * } أي من الضلال والإضلال ، فلا يسعكم الإنكار ، أفما آن لكم أن تنزعوا عن الجهل فيما يضركم ولا ينفعكم ويخفضكم ولا يرفعكم !