معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

قوله تعالى : { ولقد بوأنا بني إسرائيل } أنزلنا بني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، { مبوأ صدق } ، منزل صدق ، يعني : مصر . وقيل الأردن وفلسطين ، وهي الأرض المقدسة التي كتب الله ميراثا لإبراهيم وذريته . قال الضحاك : هي مصر والشام ، { ورزقناهم من الطيبات } ، الحلالات ، { فما اختلفوا } يعني اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تصديقه وأنه نبي ، { حتى جاءهم العلم } ، يعني : القرآن والبيان بأنه رسول الله صدق ودينه حق . وقيل : حتى جاءهم معلومهم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا يعلمونه قبل خروجه ، فالعلم بمعنى المعلوم كما يقال للمخلوق : خلق : قال الله تعالى : { هذا خلق الله } [ لقمان-11 ] ، ويقال : هذا الدرهم ضرب الأمير ، أي : مضروبه . { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } ، من الدين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

{ 93 } { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ }

أي : أنزلهم الله وأسكنهم في مساكن آل فرعون ، وأورثهم أرضهم وديارهم .

{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } من المطاعم والمشارب وغيرهما { فَمَا اخْتَلَفُوا } في الحق { حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } الموجب لاجتماعهم وائتلافهم ، ولكن بغى بعضهم على بعض ، وصار لكثير منهم أهوية وأغراض تخالف الحق ، فحصل بينهم من الاختلاف شيء كثير .

{ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } بحكمة العدل الناشئ عن علمه التام ، وقدرته الشاملة ، وهذا هو الداء ، الذي يعرض لأهل الدين الصحيح .

وهو : أن الشيطان إذا أعجزوه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية ، سعى في التحريش بينهم ، وإلقاء العداوة والبغضاء ، فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك ، ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض ، وعداوة بعضهم لبعض ، ما هو قرة عين اللعين .

وإلا فإذا كان ربهم واحدًا ، ورسولهم واحدًا ، ودينهم واحدًا ، ومصالحهم العامة متفقة ، فلأي شيء يختلفون اختلافًا يفرق شملهم ، ويشتت أمرهم ، ويحل رابطتهم ونظامهم ، فيفوت من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت ، ويموت من دينهم ، بسبب ذلك ما يموت ؟ .

فنسألك اللهم ، لطفًا بعبادك المؤمنين ، يجمع شملهم ويرأب صدعهم ، ويرد قاصيهم على دانيهم ، يا ذا الجلال والإكرام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية ف { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } {[14407]} قيل : هو بلاد مصر والشام ، مما يلي بيت المقدس ونواحيه ، فإن الله تعالى لما أهلك فرعون وجنوده استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها ، كما قال الله تعالى : { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [ الأعراف : 137 ] وقال في الآية الأخرى : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 57 - 59 ]{[14408]} ولكن استمروا مع موسى ، عليه السلام ، طالبين إلى بلاد بيت المقدس [ وهي بلاد الخليل عليه السلام فاستمر موسى بمن معه طالبا بيت المقدس ]{[14409]} وكان فيه قوم من العمالقة ، [ فنكل بنو إسرائيل عن قتال العمالقة ]{[14410]} فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة ، ومات فيه{[14411]} هارون ، ثم ، موسى ، عليهما السلام ، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون ، ففتح الله عليهم بيت المقدس ، واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حينا من الدهر ، ثم عادت إليهم ، ثم أخذها ملوك اليونان ، وكانت تحت أحكامهم{[14412]} مدة طويلة ، وبعث الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، في تلك المدة ، فاستعانت اليهود - قبحهم{[14413]} الله - على معاداة عيسى ، عليه السلام ، بملوك اليونان ، وكانت تحت أحكامهم ، ووشوا عندهم ، وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا فبعثوا{[14414]} من يقبض عليه ، فرفعه الله إليه ، وشُبّه لهم بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره{[14415]} فأخذوه فصلبوه ، واعتقدوا أنه هو ، { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [ النساء : 157 ، 158 ] ثم بعد المسيح ، عليه السلام بنحو [ من ]{[14416]} ثلثمائة سنة ، دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان - في دين النصرانية ، وكان فيلسوفا قبل ذلك . فدخل في دين النصارى قيل : تقية ، وقيل : حيلة ليفسده ، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة وبدعًا أحدثوها ، فبنى لهم الكنائس والبيَع الكبار والصغار ، والصوامع والهياكل ، والمعابد ، والقلايات . وانتشر دين النصرانية{[14417]} في ذلك الزمان ، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف ، ووضع وكذب ، ومخالفة لدين المسيح . ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إلا القليل من الرهبان ، فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامه والقفار ، واستحوذت يدُ النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلاد الروم ، وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية ، والقُمَامة ، وبيت لحم ، وكنائس [ بلاد ]{[14418]} بيت المقدس ، ومدن حَوْران كبُصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة ، وعبدوا الصليب من حينئذ ، وصلوا إلى الشرق ، وصوروا الكنائس ، وأحلوا لحم الخنزير ، وغير ذلك مما أحدثوه من{[14419]} الفروع في دينهم والأصول ، ووضعوا له الأمانة الحقيرة ، التي يسمونها الكبيرة ، وصنفوا له القوانين ،

وبسط هذا يطول .

والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها{[14420]} منهم الصحابة ، رضي الله عنهم ، وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ولله الحمد والمنة .

وقوله : { وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } أي : الحلال ، من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعا وشرعا .

وقوله : { فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } أي : ما اختلفوا في شيء من المسائل إلا من بعد ما جاءهم العلم ، أي : ولم يكن لهم أن يختلفوا ، وقد بين الله لهم وأزال عنهم اللبس . وقد ورد في

الحديث : أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، منها واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار . قيل : من هم{[14421]} يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " .

رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ ، وهو في السنن والمسانيد{[14422]} ولهذا قال الله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ } أي : يفصل بينهم { يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }


[14407]:- في ت : "فالمبوأ".
[14408]:- في ت ، أ : "كم تركوا من جنات وعيون وزروع".
[14409]:- زيادة من ت ، أ.
[14410]:- زيادة من ت ، أ.
[14411]:- في ت ، أ : "في أثنائها".
[14412]:- في أ : "حكامهم".
[14413]:- في أ : "لعنهم".
[14414]:- في ت : "فعثوا".
[14415]:- في أ : "وقدرته".
[14416]:- زيادة من ت ، أ.
[14417]:- في أ : "النصارى".
[14418]:- زيادة من ت ، أ.
[14419]:- في أ : "في".
[14420]:- في ت : "انتزعتها".
[14421]:- في ت : "من هو".
[14422]:- المستدرك (1/129) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وجاء من حديث معاوية وأنس وعوف بن مالك قال العراقي : "أسانيدها جياد".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

{ ولقد بوّأنا } أنزلنا . { بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ } منزلا صالحا مرضيا وهو الشأم ومصر . { ورزقناهم من الطيبات } من اللذائذ . { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعد ما قرأوا التوراة وعلموا أحكامها ، أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته . { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

المعنى لقد اخترنا لبني إسرائيل أحسن اختيار وحللناهم من الأماكن أحسن محل ، و { مبوأ صدق } أي يصدق فيه ظن قاصده وساكنه وأهله ، ويعني بهذه الآية إحلال بلاد الشام وبيت المقدس ، قاله قتادة وابن زيد ، وقيل بلاد مصر والشام ، قاله الضحاك ، والأول أصح بحسب ما حفظ من أنهم لن يعودوا إلى مصر ، على أن القرآن كذلك { وأورثناها بني إسرائيل }{[6227]} يعني ما ترك القبط من جنات وعيون وغير ذلك ، وقد يحتمل أن يكون { أورثناها } [ الشعراء : 59 ] معناه الحالة من النعمة وإن لم يكن في قطر واحد ، وقوله { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } يحتمل معنيين أحدهما فما اختلفوا في نبوة محمد وانتظاره حتى جاءهم وبان علمه وأمره فاختلفوا حينئذ .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص هو الذي وقع في كتب المتأولين ، وهذا التأويل يحتاج إلى سند والتأويل الآخر الذي يحتمله اللفظ أن بني إسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسى في أول حاله فلما جاءهم العلم والأوامر وغرق فرعون اختلفوا .

قال القاضي أبو محمد : فمعنى الآية مذمة ذلك الصدر من بني إسرائيل ، ثم أوجب الله بعد ذلك أنه { يقضي بينهم } ويفصل بعقاب من يعاقب ورحمة من يرحم .


[6227]:- من الآية (59) من سورة (الشعراء).