فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

{ ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق } هذا من جملة ما عدده الله سبحانه من النعم التي أنعمها عليهم ، ومعنى بوأنا أسكنا يقال بوأت منزلا أسكنته فيه ، والمبوأ اسم مكان أو مصدر وإضافته إلى الصدق على ما جرت عليه قاعدة العرب فإنهم كانوا إذا مدحوا شيئا أضافوه إلى الصدق ، والمراد به هنا المنزل المحمود الصالح المختار المرضي ، قيل هو أرض مصر ، قاله الضحاك ، وقيل جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه من ناطق وصامت وزرع وغيره ، وقيل الأردن وفلسطين وقيل الشام قاله قتادة وقيل بيت المقدس لأنها بلاد الخصب والخير والبركة .

{ ورزقناهم من الطيبات } أي المستلذات من الرزق { فما اختلفوا } في أمر دينهم وتشعبوا فيه شعبا بعدما كانوا على طريقة واحدة غير مختلفة { حتى جاءهم العلم } أي لم يقم منهم هذا الاختلاف في الدين إلا بعد ما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة وعلمهم بأحكامها وما اشتملت عليه من الأخبار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقيل العلم هو القرآن المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيه وفي صفته وآمن به من آمن منهم ، وكفر به من كفر ، قال ابن زيد : يعني كتاب الله الذي أنزله وأمره الذي أمرهم به ، وإنما سمي القرآن علما لأنه سبب العلم ، فيكون المراد بالمختلفين على القول الأول هم اليهود بعد أن أنزلت عليهم التوراة وعلموا بها ، وعلى القول الثاني هم اليهود المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم وقد روي في الحديث أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة{[941]} وهو في السنن والمسانيد والكلام فيه يطول .

{ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته والمحق بعمله بالحق ، والمبطل بعمله بالباطل .


[941]:الإمام أحمد 2 /332 نحوه. وقد ألف العلماء الكثير من الكتب حول ما هية هذه الفرق وبعضهم كتب وعد الفرق الضالة انظر مثلا كتاب {الفرق بين الفرق} للبغدادي.