محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

/ ثم أنبأ تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل إثر نعمة إنجائهم من عدوهم وإهلاكه ، وإخلالهم بشكرها وأداء حقوقها بقوله :

[ 93 ] { ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 93 } .

{ ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدق } أضيف المكان إلى الصدق ، لأن عادة العرب إذا مدحت شيئا ، أن تضيفه إلى الصدق . تقول : رجل صدق . وقدم صدق . وقال تعالى{[4780]} : { مدخل صدق } و{[4781]} { مخرج صدق } إذا كان عاملا في صفة صالحا للغرض المطلوب منه ، كأنهم لاحظوا أن كل ما يظن به فهو صادق .

وقوله تعالى : { ورزقناهم من الطيبات } وهي المنّ والسلوى في التيه وبعده ، مما فاض عليهم من الأرض التي تدر لبنا وعسلا { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } أي ما تفرقوا على مذاهب شتى في أمر دينهم ، إلا من بعد ما جاءهم العلم الحاسم لكل شبهة ، وهو ما بين أيديهم من الوحي ، الذي يتلونه . أي : وما كان حقهم أن يختلفوا ، وقد بين الله لهم ، وأزاح عنهم اللبس . ونظير هذه الآية ، في النعي عليهم اختلافهم ، قوله تعالى{[4782]} : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءتهم البينة } وقوله جلّ ذكره{[4783]} : { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } . وفيه أكبر زاجر وأعظم واعظ عن الاختلاف في الدين ، والتفرق فيه .

{ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } أي فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك .


[4780]:[17 / الإسراء / 80].
[4781]:[17 / الإسراء / 80].
[4782]:[ 98 /البينة / 4].
[4783]:[3 / آل عمران / 19].