الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إسرائيل مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطيبات فَمَا اختلفوا حتى جَاءَهُمُ العلم } [ يونس : 93 ] .

المعنى : ولقد اخترنا لبني إِسرائيل أَحْسَنَ اختيار ، وأحللناهم مِنَ الأماكن أحْسَنَ محلٍّ ، و{ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أي : يصدُقُ فيه ظنُّ قاصده وساكنه ، ويعني بهذه الآية إِحلاَلُهُمْ بلادَ الشَّامِ وبَيْتَ المَقْدِسِ ؛ قاله قتادة وابن زَيْد ، وقيل : بلاد الشام ومصر ، والأول أصحُّ ، وقوله سبحانه : { فَمَا اختلفوا } أيْ : في نبوَّة نبينا محمَّد عليه السلام ، وهذا التخصيصُ هو الذي وقع في كُتُب المتأوِّلين كلِّهم ، وهو تأويلٌ يحتاج إِلى سند ، والتأويل الثاني الذي يحتمله اللفظُ : أنَّ بني إِسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسَى في أول حاله ، فلما جاءَهُم العلْمُ والأوامرُ ، وغَرَقُ فرعَوْنَ ، اختلفوا ، فالآية ذامَّة لهم .

( ت ) : فَرَّ رحمه اللَّه من التخصيص ، فوقع فيه ، فلو عمَّم اختلافهم على أنبيائهم موسَى وغيرِهِ ، وعلَى نبيِّنا ، لكان أَحْسَنَ ، وما ذهب إِليه المتأوِّلون من التخصيص أَحْسَنُ لقرينةِ قوله : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ } [ يونس : 94 ] فالربطُ بين الآيتين واضحٌ ، واللَّهُ أعلم .