فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

قوله : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا } هذا من جملة ما عدّده الله سبحانه من النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل ، ومعنى بوّأنا : أسكنا ، يقال بوّأت زيداً منزلاً : أسكنته فيه ، والمبوأ اسم مكان أو مصدر ، وإضافته إلى الصدق على ما جرت عليه قاعدة العرب ، فإنهم كانوا إذا مدحوا شيئاً أضافوه إلى الصدق ، والمراد به هنا : المنزل المحمود المختار ، قيل : هو أرض مصر . وقيل : الأردن وفلسطين . وقيل : الشام { وَرَزَقْنَاهُمْ منَ الطيبات } أي : المستلذات من الرزق { فَمَا اختلفوا } في أمر دينهم ، وتشعبوا فيه شعباً بعد ما كانوا على طريقة واحدة غير مختلفة { حتى جَاءهُمُ العلم } أي : لم يقع منهم الاختلاف في الدين إلا بعد ما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة ، وعلمهم بأحكامها ، وما اشتملت عليه من الأخبار بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : المعنى : أنهم لم يختلفوا حتى جاءهم العلم ، وهو القرآن النازل على نبينا صلى الله عليه وسلم ، فاختلفوا في نعته وصفته ، وآمن به من آمن منهم ، وكفر به من كفر . فيكون المراد بالمختلفين على القول الأوّل هم : اليهود بعد أن أنزلت عليهم التوراة وعلموا بها ، وعلى القول الثاني هم : اليهود المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، والمحقّ بعمله بالحق ، والمبطل بعمله بالباطل .

/خ100