معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

قوله تعالى : { والله خلقكم ثم يتوفاكم } ، صبياناً أو شباناً أو كهولاً ، { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } ، أردئه قال مقاتل : يعني الهرم . قال قتادة : أرذل العمر : تسعون سنة . روي عن علي قال : أرذل العمر : خمس وسبعون سنة . وقيل : ثمانون سنة . { لكي لا يعلم بعد علم شيئا } ، لكيلا يعقل بعد عقله الأول شيئا ، { إن الله عليم قدير } .

أنبأنا عبد الواحد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد ابن يوسف ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا هارون بن موسى ، حدثنا عبد الله الأعور ، عن شعيب ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو : " أعوذ بك من البخل والكسل ، وأرذل العمر ، وعذاب القبر ، وفتنة الدجال ، وفتنة المحيا والممات " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

{ 70 } { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

يخبر تعالى أنه الذي خلق العباد ونقلهم في الخلقة طورا بعد طور ، ثم بعد أن يستكملوا آجالهم يتوفاهم ، ومنهم من يعمره حتى { يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } ، أي : أخسه ، الذي يبلغ به الإنسان إلى ضعف القوى الظاهرة والباطنة ، حتى العقل الذي هو جوهر الإنسان ، يزيد ضعفه ، حتى إنه ينسى ما كان يعلمه ، ويصير عقله كعقل الطفل ؛ ولهذا قال : { لِكَيلَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } ، أي : قد أحاط علمه وقدرته بجميع الأشياء ، ومن ذلك ما ينقل به الآدمي من أطوار الخلقة ، خلقا بعد خلق ، كما قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

يخبر تعالى عن تصرفه في عباده ، وأنه هو الذي أنشأهم من العدم ، ثم بعد ذلك يتوفاهم ، ومنهم من يتركه حتى يدركه الهَرَم - وهو الضعف في الخلقة - كما قال الله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } [ الروم : 54 ] .

وقد روي عن علي ، رضي الله عنه ، في أرذل العمر [ قال ]{[16560]} : خمس وسبعون سنة . وفي هذا السن يحصل له ضعف القوى والخرف وسوء الحفظ وقلة العلم ؛ ولهذا قال : { لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا }{[16561]} ، أي : بعد ما كان عالمًا أصبح لا يدري شيئًا من الفَنَد والخرف ؛ ولهذا روى البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور ، عن شُعَيب ، عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو : " أعوذ بك من البخل والكسل ، والهرم وأرذل العمر ، وعذاب القبر ، وفتنة الدجال ، وفتنة المحيا والممات " . ورواه مسلم ، من حديث هارون الأعور ، به{[16562]} .

وقال زهير بن أبي سلمى في معلقته{[16563]} المشهورة :

سَئمتُ تَكَاليفَ الحيَاة ومَنْ يعشْ *** ثمانينَ عاما - لا أبَالك - يَسْأم . . .

رَأيتُ المَنَايا خَبط عَشْواء من تصِبْ *** تمتْه ومَنْ تُخْطئ يُعَمَّرْ فَيهْرَمِ{[16564]} .


[16560]:زيادة من ت، ف، أ.
[16561]:في ت: "من بعد" وهو خطأ.
[16562]:صحيح البخاري برقم (4707) وصحيح مسلم برقم (2706) وليس في الصحيح: "والهرم".
[16563]:في ف: "قصيدته".
[16564]:ديوان زهير بن أبي سلمي (ص 29).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

{ والله خلقكم ثم يتوفّاكم } ، بآجال مختلفة . { ومنكم من يُردّ } ، يعاد . { إلى أرذل العمر } ، أخسه ، يعني : الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل . وقيل هو : خمس وتسعون سنة ، وقيل : خمس وسبعون . { لكيلا يعلم بعد علم شيئا } ، ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم . { إن الله عليم } بمقادير أعماركم . { قدير } ، يميت الشاب النشيط ويبقي الهرم الفاني ، وفيه تنبيه على أن تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم ، ركب أبنيتهم وعدّل أمزجتهم على قدر معلوم ، ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

هذا تنبيه على الاعتبار في إيجادنا بعد العدم وإماتتنا بعد ذلك ، ثم اعترض بمن ينكث من الناس ؛ لأنهم موضع عبرة{[7365]} ، و { أرذل العمر } ، آخرُه الذي تفسد فيه الحواس ويخْتل النطق ، وخص ذلك بالرذيلة ، وإن كانت حال الطفولية كذلك ، من حيث كانت هذه لأرجاء معها ، والطفولية إنما هي بدأة ، والرجاء معها متمكن ، وقال بعض الناس : أول أرذل العمر خمسة وسبعون سنة ، روي ذلك عن علي رضي الله عنه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا في الأغلب ، وهذا لا ينحصر إلى مدة معينة وإنما هو بحسب إنسان إنسان ، والمعْنى : منكم من يرد إلى أرذل عمره ، ورب من يكون ابن خمسين سنة وهو في أرذل عمره ، ورب ابن مائة وتسعين ليس في أرذل عمره ، واللام في { لكي } يشبه أن يكون لام صيرورة ، وليس ببين ، والمعنى : ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئاً ، وهذه عبارة عن قلة علمه ، لا أنه لا يعلم شيئاً البتة ، ولم تحل { لا } بين «كي » ومعمولها لتصرفها ، وأنها قد تكون زائدة ، ثم قرر تعالى علمه وقدرته التي لا تتبدل ولا تحملها الحوادث ولا تتغير .


[7365]:يقال: نكس الله فلانا في العمر: أطال عمره إلى أرذل العمر فعاد إلى حال كحال الطفولة في الضعف والعجز، وفي التنزيل العزيز: {ومن نعمره ننكسه في الخلق}.