محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

قال أبو السعود : ولما ذكر سبحانه من عجائب أحوال ما ذكر من الماء والنبات والأنعام والنحل ، أشار إلى بعض عجائب أحوال البشر ، من أول عمره إلى آخره ، وتطوراته فيما بين ذلك . وقد ضبطوا مراتب العمر في أربع : الأولى : سن النشوء والنماء . والثانية : سنّ الوقوف : وهي سن الشباب . والثالثة : سنّ الانحطاط القليل : وهي سن الكهولة . والرابعة : سن الانحطاط الكبير : وهي سن الشيخوخة ، فقال سبحانه :

[ 70 ] { والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير 70 } .

{ والله خلقكم } ، أي : أنشأكم من العدم ، { ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } ، أي : أضعفه وأردئه : وهو الهرم . وقوله تعالى : { لكي لا يعلم بعد علم شيئا } ، اللام : للصيرورة والعاقبة ، أي : فيصير ، إن كان عالما ، جاهلا . فيريكم من قدرته أنه كما قدر على نقله من العلم إلى الجهل ، أنه قادر على إحيائه بعد إماتته .

قال في ( العناية ) : وكونه غير عالم بعد علمه ، كناية عن النسيان ؛ لأن الناسي يعلم الشيء ثم ينساه ، فلا يعلم بعد ما علم . أو العلم بمعنى الإدراك والتعقل ، والمعنى : لا يترقى في إدراك عقله وفهمه ؛ لأن الشاب في الترقي ، والشيخ في التوقف والنقصان .

وفي ( الكشاف ) : ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في النسيان . وأن يعلم شيئا ثم / يسرع في نسيانه ، فلا يعلمه إن سئل عنه . وقيل : لئلا يعقل بعد عقله الأول شيئا ، وقيل : لئلا يعلم زيادة علم على علمه الأول . و { شيئا } منصوب على المصدرية أو المفعولية . وجوز فيه التنازع بين ( يعلم ) و ( علم ) ، وكون مفعول ( علم ) محذوفا لقصد العموم . أي : لا يعلم شيئا ما بعد علم أشياء كثيرة .

{ إن الله عليم قدير } .