تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

الآية : 70 وقوله تعالى : { والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد / 288 – ب / إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا } ، فإن قيل لنا : منة له علينا في ذكر خلقنا ، ثم توفيه إيانا ، وردنا{[10315]} إلى الحال التي هي {[10316]} حال الجهل حتى ( لا ){[10317]} تعلم شيئا .

قيل : ذكر هذا ، والله أعلم ، يحتمل {[10318]} وجوها :

أحدها : يُذَكِرُهم أنه هو الذي { خلقكم ثم يتوفاكم } ، ثم هو يملك ردكم إلى الحال التي لا تعلمون شيئا ، وفي ملكه وسلطانه تتقلبون . فكيف عبدتم الأصنام والأوثان التي لا تملك {[10319]} شيئا من ذلك ، وأشركتموها في ألوهيته وعبادته ؟

والثاني {[10320]} : يَذْكُرُ ؛ ليُعْلَمَ أنه لم يكن المقصود بخلقهم الفناء ، لكن لأمر لآخر ، قصد بخلقهم ، هو {[10321]} ما ذكر في ما تقدم من أنواع النعم ، وتسخير ما ذكر لهم من الأغذية والنعم التي أنشأ لهم ، والأشياء التي سخرها لهم .

وقال أبو بكر الأصم : قوله ، والله أعلم : { خلقكم } ، وكنتم نطفا أمواتا ، فأحياكم { ثم يتوفاكم } أطفالا وشيوخا ، { ومنكم من } يُعَمَّرُ { إلى أرذل العمر } ، يقول : يرده بعد قوة وعلم وتدبير الأمور إلى الخرف والجهل بعد العلم ؛ ليتبين لخلقه أن العمر والرزق ليس بِهما رُبِيَّ ، وقَوِيَ ؛ لأنهما ثابتان ، ثم يبلى ، ويفنى بهما ، ويرجع إلى الجهل ، ولكن بلطف من الله وتدبير منه لا بالأغذية ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الله عليم } ، بما دبر في خلقه ، مما يُدركون به قدرة خالقهم ، وتصريفه الأمور بما يكونون به حكماء وعلماء . إن الذي دبرها حكيم { قدير } على ما شاء .

والحكمة في ما ذَكَرَ من تفريق الآجال ( الأمرين : أحدهما : ) {[10322]} ليكونوا أبدا خائفين راجين ؛ لأنه لو كانت آجالهم واحدة ( لأمنوا ، وتعاطوا ) {[10323]} المعاصي على َأمن لما يعلمون وقت نزول الموت بهم .

والثاني : ليعلموا أَن التدبير في أنفسهم ، وملكهم لغيرهم لا لهم ؛ لأن لله التدبير والأمر ، ولو كان إليهم لكان كل منهم يختار من الحال ما هو أقوى وآكد .


[10315]:في الأصل وم: ورده لنا.
[10316]:في الأصل وم: وهي.
[10317]:ساقطة من الأصل وم.
[10318]:أدرج بعدها في الأصل وم: هذا.
[10319]:في الأصل وم: تملكون.
[10320]:في الأصل وم: أو.
[10321]:في الأصل وم: وهو.
[10322]:ساقطة من الأصل وم.
[10323]:في الأصل وم: يأمنون، ويتعاطون.