الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (70)

قوله تعالى : " والله خلقكم ثم يتوفاكم " ، بين معناه . " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " ، يعني : أردأه وأوضعه . وقيل : الذي ينقص قوته وعقله ، ويصيره إلى الخرف ونحوه . وقال ابن عباس : يعني إلى أسفل العمر ، يصير كالصبي الذي لا عقل له ، والمعنى متقارب . وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك من الهرم ، وأعوذ بك من البخل ) . وفي حديث سعد بن أبي وقاص : ( وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ) الحديث . خرّجه البخاري . " لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير " ، أي : يرجع إلى حالة الطفولية ، فلا يعلم ما كان يعلم قبل من الأمور لفرط الكبر . وقد قيل : هذا لا يكون للمؤمن ؛ لأن المؤمن لا ينزع عنه علمه . وقيل : المعنى لكيلا يعمل بعد علم شيئا ، فعبر عن العمل بالعلم ؛ لافتقاره إليه ؛ لأن تأثير الكبر في عمله أبلغ من تأثيره في علمه . والمعنى المقصود : الاحتجاج على منكري البعث ، أي : الذي رده إلى هذه الحال ، قادر على أن يميته ثم يحييه .