{ 1 - 15 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ }
أقسم تعالى على البعث والجزاء بالأعمال{[1320]} ، بالمرسلات عرفا ، وهي الملائكة التي يرسلها الله تعالى بشئونه القدرية وتدبير العالم ، وبشئونه الشرعية ووحيه إلى رسله .
و { عُرْفًا } حال من المرسلات أي : أرسلت بالعرف والحكمة والمصلحة ، لا بالنكر والعبث .
قال البخاري : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، [ حدثنا أبي ]{[1]} ، حدثنا الأعمش ، حدثني إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، في غار بمنى ، إذ نزلت عليه : " وَالْمُرْسَلاتِ " فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه ، وإن فاه لرطب بها ، إذ وَثَبت علينا حَيَّة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اقتلوها " . فابتدرناها فذهبت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وُقِيَتْ شركم كما وُقِيتُم شرّهَا " .
وأخرجه مسلم أيضا ، من طريق الأعمش{[2]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عُيَيْنَة ، عن الزّهْري ، عن عُبَيد الله ، عن ابن عباس ، عن أمه : أنها سَمعَت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عُرفًا{[3]} .
وفي رواية مالك ، عن الزهري ، عن عُبَيد الله ، عن ابن عباس : أن أم الفضل سمعته يقرأ : " وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا " ، فقالت : يا بني ، ذكَّرتني بقراءتك هذه السورة ، أنها لآخر ما سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب .
أخرجاه في الصحيحين ، من طريق مالك ، به{[4]} .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا زكريا بن سهل المروزي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، أخبرنا الحسين بن واقد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيرة : { وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا } قال : الملائكة .
قال : ورُوي عن مسروق ، وأبي الضحى ، ومجاهد - في إحدى الروايات - والسّدي ، والربيع بن أنس ، مثلُ ذلك .
ورُويَ عن أبي صالح أنه قال : هي الرسل . وفي رواية عنه : أنها الملائكة . وهكذا قال أبو صالح في " الْعَاصِفَاتِ " و " النَّاشِرَات " [ و " الْفَارِقَاتِ " ] {[29627]} و " الْمُلْقِيَاتِ " : أنها الملائكة .
وقال الثوري ، عن سلمة بن كُهَيل ، عن مُسلم البَطين ، عن أبي العُبَيدَين قال : سألت ابنَ مسعود عن { وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا } قال : الريح . وكذا قال في : { فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا } إنها الريح . وكذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبو صالح - في رواية عنه - وتوقف ابن جرير في { وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا } هل هي الملائكة إذا أرسلت بالعُرْف ، أو كعُرْف الفَرَس يتبع بعضهم بعضا ؟ أو : هي الرياح إذا هَبَّت شيئا فشيئا ؟ وقطع بأن العاصفات عصفا هي الرياح ، كما قاله ابن مسعود ومن تابعه . وممن قال ذلك في العاصفات أيضا : علي بن أبي طالب{[29628]} ، والسدي ، وتوقف في { وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا } هل هي الملائكة أو الريح ؟ كما تقدم . وعن أبي صالح : أن الناشرات نشرا : المطر .
والأظهر أن : " الْمُرْسَلات " هي الرياح ، كما قال تعالى : { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } [ الحجر : 22 ] ، وقال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [ الأعراف : 57 ] وهكذا العاصفات هي : الرياح ، يقال : عصفت الريح إذا هَبَّت بتصويت ، وكذا الناشرات هي : الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء ، كما يشاء الرب عز وجل .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * والنّاشِرَاتِ نَشْراً * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً } .
اختلف أهل التأويل في معنى قول الله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا فقال بعضهم : معنى ذلك : والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا ، قالوا : والمرسَلات : هي الرياح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن المسعودي ، عن سَلَمة بن كَهيَل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود فقال : والمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن سَلَمة بن كهيل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله بن مسعود ، فذكر نحوه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله والمُرْسَلاتِ عُرْفا يعني الريح .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، قال : ثني أبي ، عن شعبة ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي صالح صاحب الكلبي في قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرياح .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سَلَمَة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله عن المُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الريح .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : والملائكة التي تُرسَل بالعرف . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، قال : كان مسروق يقول في المرسلات : هي الملائكة .
حدثنا إسرائيل بن أبي إسرائيل ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، قال : سمعت أبا الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله في قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الملائكة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ووكيع عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرسل ترسل بالعُرف .
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، قال : سألت أبا صالح عن قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرسل ترسل بالمعروف .
قالوا : فتأويل الكلام والملائكة التي أرسلت بأمر الله ونهيه ، وذلك هو العرف . وقال بعضهم : عُني بقوله عُرْفا : متتابعا كعرف الفرس ، كما قالت العرب : الناس إلى فلان عرف واحد ، إذا توجهوا إليه فأكثروا . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن داود بن الزبرقان ، عن صالح بن بريدة ، في قوله : عُرْفا قال : يتبع بعضها بعضا .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا ، وقد ترسل عُرْفا الملائكة ، وترسل كذلك الرياح ، ولا دلالة تدلّ على أن المعنيّ بذلك أحد الحِزْبين دون الاَخر وقد عمّ جلّ ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف ، فكلّ من كان صفته كذلك ، فداخل في قسمه ذلك مَلَكا أو ريحا أو رسولاً من بني آدم مرسلاً .
تفسير سورة المرسلات{[1]}
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المرسلات وهي مكية في قول جمهور المفسرين وحكى النقاش انه قيل إن فيها من المدني قوله ‘ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون{[2]} ‘ المرسلات 48 على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة وإنها بمعنى قوله تعالى ‘ يدعون الى السجود فلا يستطيعون{[3]} ‘ القلم 42 وقال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء الحديث بطوله{[4]}
قال كثير من المفسرين : { المرسلات } ، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال : والجماعات المرسلات ، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود : { المرسلات } الملائكة المرسلة بالوحي ، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار ، وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس ومجاهد وقتادة : { المرسلات } ، الرياح ، وقال الحسن بن أبي الحسن : { المرسلات } السحاب و { عرفاً } معناه على القول الأول { عرفاً } من الله وإفضالاً{[11541]} على عباده ببعثه الرسل .
ومنه قول الشاعر : [ الحطيئة ] : [ البسيط ]
من يفعل الخير لا يعدمْ جوازيَهُ*** لا يذهب العرف بين الله والناس{[11542]}
ويحتمل أني ريد بقوله { عرفاً } أي متتابعة على التشبيه بتتابع عرف الفرس وأعراف الجبال ونحو ذلك ، والعرب تقول : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه ، ويحتمل أن يريد بالعرف أي بالحق ، والأمر بالمعروف ، وهذه الأقوال في عرف تتجه في قول من قال في { المرسلات } إنها الملائكة ، ومن قال إن { المرسلات } الرياح اتجه في العرف القول الأول على تخصيص الرياح التي هي نعمة وبها الأرزاق والنجاة في البحر وغير ذلك مما لا فقه فيه .