التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المرسلات

مقدمة وتمهيد

1- سورة " المرسلات " هي السورة السابعة والسبعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثالثة والثلاثون ، وقد كان نزولها بعد سورة " الهمزة " ، وقبل سورة " ق " .

وهي من السور المكية الخالصة ، وقيل إن آية : [ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ] مدنية ، وهذا القيل لا وزن له ، لأنه لا دليل عليه . وعدد آياتها : خمسون آية .

2- وقد ذكروا في فضلها أحاديث منها : ما أخرجه الشيخان عن عبد اله بن مسعود قال : بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى ، إذ نزلت عليه : " والمرسلات " ، فإنه ليتلوها ، وإني لأتلقاها من فيه ، وإن فاه لرطب بها . .

وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال : إن أم الفضل –امرأة العباس- سمعته يقرأ " والمرسلات عرفا " . فقالت : يا بني –ذكرتني بقراءتك هذه السورة . إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب( {[1]} ) .

وسورة المرسلات زاخرة بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن أحوال المكذبين في هذا اليوم ، وعن مظاهر قدرة الله –تعالى- ، وعن حسن عاقبة المتقين . .

للمفسرين فى معنى هذه الصفات الخمس : " المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات " اتجاهات ، فمنهم من صدر تفسيره ببيان أن المراد بها الملائكة . فقد قال صاحب الكشاف : أقسم الله بطوائف من الملائكة ، أرسلهن بأوامره فعصفن فى مضيهن كما تعصف الرياح ، تخففا فى امتثال أمره . وبطوائف منهن نشرن أجنحتهن فى الجو عند انحطاطهن بالوحى ، أو نشرن الشرائع فى الأرض . . ففرقن بين الحق والباطل ، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عذرا ، للمحقين ، أو نذرا للمبطلين .

فإن قلت : ما معنى عرفا ؟ قلت : متتابعة كشعر العُرْفِ - أى : عرف الفرس - يقال : جاءوا عرفا واحدا ، وهم عليه كعرف الضبع : إذا تألبوا عليه . .

ومنهم من يرى أن المراد بالمرسلات وما بعدها : الرياح ، فقد قال الجمل فى حاشيته : أقسم الله - تعالى - بصفات خمس موصوفها محذوف ، فجعلها بعضهم الرياح فى الكل ، وجعلها بعضهم الملائكة فى الكل . . وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول ، الموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات ، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة . .

وسنسير نحن على هذا الرأى الثالث ، لأنه هو تصورنا أقرب الآباء إلى الصواب ، إذ أن هذه الصفات من المناسب أن يكون بعضها للرياح ، وبعهضا للملائكة .

فيكون المعنى : وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين ، فتعصفهم عصفا ، وتهلكهم إهلاكا شديدا ، فقوله : { عَصْفاً } وصف مؤكد للإِهلاك الشديد ، يقال : عصفت الريح ، إذا اشتدت ، وعصفت الحرب بالقوم ، إذا ذهبت بهم ، وناقة عصوف ، إذا مضت براكبها مسرعة ، حتى لكأنها الريح .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.