الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها ، وهي قوله تعالى : " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون " [ المرسلات : 48 ] مدنية .

وقال ابن مسعود : نزلت " والمرسلات عرفا " على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ونحن معه نسير ، حتى أوينا إلى غار بمنى فنزلت ، فبينا نحن نتلقاها منه ، وإن فاه لرطب بها إذ وثبت حية ، فوثبنا عليها لنقتلها فذهبت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وقيتم شرها كما وقيت شركم ) . وعن كريب مولى ابن عباس قال : قرأت سورة " والمرسلات عرفا " فسمعتني أم الفضل امرأة العباس ، فبكت وقالت : والله يا بني لقد أذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة المغرب . والله أعلم . وهي خمسون آية .

قوله تعالى : " والمرسلات عرفا " جمهور المفسرين على أن المرسلات الرياح . وروى مسروق عن عبد الله قال : هي الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله تعالى ونهيه والخبر والوحي . وهو قول أبي هريرة ومقاتل وأبي صالح والكلبي . وقيل : هم الأنبياء أرسلوا بلا إله إلا الله . قاله ابن عباس . وقال أبو صالح : إنهم الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات . وعن ابن عباس وابن مسعود : إنها الرياح ؛ كما قال تعالى : " وأرسلنا الرياح " [ الحجر : 22 ] . وقال : " وهو الذي يرسل الرياح " [ الأعراف : 57 ] . ومعنى " عرفا " يتبع بعضها بعضا كعرف الفرس ، تقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد : إذا توجهوا إليه فأكثروا . وهو نصب على الحال من " والمرسلات " أي والرياح التي أرسلت متتابعة . ويجوز أن تكون مصدرا أي تباعا . ويجوز أن يكون النصب على تقدير حرف الجر ، كأنه قال : والمرسلات بالعرف ، والمراد الملائكة أو الملائكة والرسل . وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالمرسلات السحاب ، لما فيها من نعمة ونقمة ، عارفة بما أرسلت فيه ومن أرسلت إليه . وقيل : إنها الزواجر والمواعظ . و " عرفا " على هذا التأويل متتابعات كعرف الفرس . قاله ابن مسعود . وقيل : جاريات . قاله الحسن . يعني في القلوب . وقيل : معروفات في العقول .