الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

قوله : { عُرْفاً } : فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنَّه مفعولٌ مِنْ أجلِه ، أي : لأجلِ العُرْفِ وهو ضِدُّ النُّكْرِ . والمرادُ بالمُرْسَلاتِ : إمَّا الملائكةُ ، وإمَّا الأنبياءُ ، وإمَّا الرِّياحُ أي : والملائكةُ المُرْسَلاتُ ، أو والأنبياء المُرْسَلات ، أو والرياحُ المُرْسَلات . والعُرْفُ : المعروفُ والإِحسانُ . قال الشاعر :

مَنْ يَفْعَلِ الخيرَ لا يَعْدَمْ جَوازِيَهُ *** لا يَذْهَبُ العُرْفُ بينَ اللَّهِ والناسِ

وقد يُقال : كيف جَمَعَ صفةَ المذكرِ العاقلِ بالألفِ والتاءِ ، وحقُّه أَنْ يُجْمَعَ بالواوِ والنونِ ؟ تقول : الأنبياءُ المُرْسَلونَ ، ولا تقولُ : المُرْسَلات . والجوابُ : أنَّ المُرْسَلات جَمْعُ مُرْسَلة ، ومُرْسَلة صفةٌ لجماعةٍ من الأنبياء ، فالمُرْسَلات جمعُ " مُرْسَلة " الواقعةِ صفةً لجماعة ، لا جمعُ " مُرْسَل " المفردِ . الثاني : أَنْ ينتصِبَ على الحالِ بمعنى : متتابعة ، مِنْ قولِهم : جاؤوا كعُرْفِ الفَرَس ، وهم على فلانٍ كعُرْف الضَّبُع ، إذا تألَّبوا عليه . الثالث : أَنْ ينتصِبَ على إسقاطِ الخافضِ أي : المُرْسَلاتِ بالعُرْفِ . وفيه ضَعْفٌ ، وقد تقدَّمَ الكلامُ على العُرْف في الأعراف . والعامَّةُ على تسكينِ رائِه ، وعيسى بضمِّها ، وهو على تثقيلِ المخففِ نحو : " بَكُر " في بَكْر . ويُحتمل أَنْ يكونَ هو الأصلَ ، والمشهورةُ مخففةٌ منه ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونا وزنَيْنِ مستقلَّيْن .