فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمان الرحيم

سورة المرسلات

هي خمسون آية وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر قال قتادة إلا آية منها وهي قوله : { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } فإنها مدنية وروي هذا عن ابن عباس .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : " بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت سورة { والمرسلات عرفا } فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه ، وإن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقتلوها فابتدرناها فذهبت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيت شركم كما وقيتم شرها " .

وأخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ والمرسلات عرفا فقالت : " يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها آخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب " .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا } قال جمهور المفسرين هي الرياح ، روي عن ابن مسعود قال إنه الريح وقيل هي الملائكة ، و به قال مقاتل وأبو صالح والكلبي ، وقال أبو هريرة : هي الملائكة أرسلت بالعرف ، وعن ابن مسعود مثله ، وقيل هم الأنبياء .

فعلى الأول أقسم سبحانه بالرياح المرسلة لما يأمرها به كما في قوله { وأرسلنا الرياح لواقح } وقوله { ويرسل الرياح } وغير ذلك وعلى الثاني أقسم سبحانه بالملائكة المرسلة لوحيه وأمره ونهيه ، وعلى الثالث أقسم برسله المرسلة إلى عباده لتبليغ شرائعه ، وقيل المراد بالمرسلات السحاب لما فيها من نقمة ونعمة{[1674]} .

وانتصاب ( عرفا ) إما على أنه مفعول لأجله أي المرسلات لأجل العرف وهو ضد النكر أو على أنه حال بمعنى متتابعة يتبع بعضها بعضا كعرف الفرس ، تقول العرب سار الناس إلى فلان عرفا واحدا إذا توجهوا إليه ، وهم على فلان كعرف الضبع إذا تألبوا عليه ، أو على أنه مصدر كأنه قال والمرسلات إرسالا أي متتابعة ، أو على أنه منصوب بنزع الخافض أي والمرسلات بالعرف ، قرأ الجمهور ( عرفا ) بسكون الراء ، وقرأ عيسى بن عمر بضمها .


[1674]:قال ابن جرير الطبري: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا، وقد ترسل عرفا الملائكة، وترسل كذلك الرياح، ولا دلالة تدل على أن المعني بذلك أحد الحزبين دون الآخر، وقد عم جل ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف، فكل من كانت صفته كذلك، فداخل في قسمه ذلك، ملكا أو ريحا أو رسولا من بني آدم مرسلا. وقال ابن كثير: والأظهر أن المرسلات: هي الرياح، كما قال تعالى:{وأرسلنا الرياح لواقح} وقال تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} وهكذا العاصفات هي الرياح، يقال: عصفت الرياح: إذا هبت بتصويت، وكذا الناشرات: هي الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء كما يشاء الرب عز وجل.