واستوثق ليوسف ملك مصر ، أي : اجتمع ، فأقام فيهم العدل ، وأحبه الرجال والنساء ، { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض } ، يعني : أرض مصر ملكناه ، { يتبوأ منها } ، أي : ينزل { حيث يشاء } ويصنع فيها ما يشاء . قرأ ابن كثير : { نشاء } بالنون ردا على قوله : { مكنا } وقرأ الآخرون بالياء ردا على قوله { يتبوأ } . { نصيب برحمتنا من نشاء } ، أي : بنعمتنا ، { ولا نضيع أجر المحسنين } ، قال ابن عباس ووهب : يعني الصابرين . قال مجاهد وغيره : فلم يزل يوسف عليه السلام يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف له حتى أسلم الملك وكثير من الناس . فهذا في الدنيا .
قال تعالى : { وَكَذَلِكَ } أي : بهذه الأسباب والمقدمات المذكورة ، { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ } في عيش رغد ، ونعمة واسعة ، وجاه عريض ، { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ } أي : هذا من رحمة الله بيوسف التي أصابه بها وقدرها له ، وليست مقصورة على نعمة الدنيا .
{ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } ويوسف عليه السلام من سادات المحسنين ، فله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، ولهذا قال : { وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ }
يقول تعالى : { وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ } أي : أرض مصر ، { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ } قال السُّدِّي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يتصرف فيها كيف يشاء . وقال ابن جرير : يتخذ منها منزلا حيث يشاء{[15215]} بعد الضيق والحبس والإسار .
{ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } أي : وما أضعنا صبر يوسف على أذى إخوته ، وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز ؛ فلهذا أعقبه الله عز وجل السلامة والنصر والتأييد ، { وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ مَكّنّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وهكذا وطأنا ليوسف في الأرض ، يعني أرض مصر . { يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ } يقول : يتخذ من أرض مصر منزلاً حيث يشاء بعد الحبس والضيق . { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ } من خلقنا ، كما أصبنا يوسف بها ، فمكنّا له في الأرض بعد العبودة والإسار وبعد الإلقاء في الجبّ . { وَلا نُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ } يقول : ولا نُبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه وعمل بما أمره وانتهى عما نهاه عنه ، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله . وكان تمكين الله ليوسف في الأرض ، كما :
حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما قال يوسف للملك : { اجْعَلْنِي على خَزَائِنِ الأرْضِ إنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } قال الملك : قد فعلت فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير عما كان عليه ، يقول الله : وكذلكَ مَكّنا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ . . . الآية . قال : فذكر لي والله أعلم أن إطفير هلك في تلك الليالي ، وأن الملك الرّيان بن الوليد زوّج يوسف امرأة إطفير راعيل ، وأنها حين دخلت عليه قال : أليس هذا خير مما كنت تريدين ؟ قال : فيزعمون أنها قالت : أيها الصدّيق لا تلُمني ، فإني كنتُ امرأة كما ترى حُسنا وجمالاً ، ناعمة في مُلك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنتَ كما جعَلك الله في حُسنك وهيئتك ، فغلبتني نفسي على ما رأيت . فيزعمون أنه وجدها عذراء ، فأصابها ، فولدت له رجلين : إفراثيم بن يوسف ، وميشا بن يوسف .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : { وكذلكَ مَكّنا ليُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ } قال : استعمله الملك على مصر ، وكان صاحب أمرها ، وكان يلي البيع والتجارة وأمرها كله ، فذلك قوله : { وكذلكَ مَكنّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يشاءُ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ } قال : ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا ، يصنع فيها ما يشاء ، فُوّضَتْ إليه . قال : ولو شاء أن يجعل فرعون من تحت يديه ، ويجعله فوقه لفعل .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن مجاهد ، قال : أسلم الملك الذي كان معه يوسف .
تقدم تفسير آية { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض } آنفاً .
والتبوؤ : اتخاذ مكان للبوء ، أي الرجوع ، فمعنى التبوؤ النزول والإقامة . وتقدم في قوله تعالى : { أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا } في [ سورة يونس : 87 ] .
وقوله : { يتبوأ منها حيث يشاء } كناية عن تصرفه في جميع مملكة مصر فهو عند حلوله بمكان من المملكة لو شاء أن يحل بغيره لفعل ، فجملة { يتبوأ } يجوز أن تكون حالاً من { يوسف } ، ويجوز أن تكون بياناً لجملة { مكنا ليوسف في الأرض } .
وقرأ الجمهور { حيث يشاء } بياء الغيبة وقرأ ابن كثير { حيث نشاء } بنون العظمة ، أي حيث يشاء الله ، أي حيث نأمره أو نلهمه . والمعنى متحد لأنه لا يشاء إلا ما شاءه الله .
وجملة { نصيب برحمتنا من نشاء } إلى آخرها تذييل لمناسبة عمومه لخصوص ما أصاب يوسف عليه السلام من الرحمة في أحواله في الدنيا وما كان له من مواقف الإحسان التي كان ما أعطيه من النعم وشرف المنزلة جزاء لها في الدنيا ، لأن الله لا يضيع أجر المحسنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.