فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

{ وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ } أي : ومثل ذلك التمكين العجيب مكنا ليوسف في الأرض أي : جعلنا له مكاناً ، وهو عبارة عن كمال قدرته ، ونفوذ أمره ونهيه ، حتى صار الملك يصدر عن رأيه ، وصار الناس يعملون على أمره ونهيه { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء } أي : ينزل منها حيث أراد ويتخذه مباءة ، وهو عبارة عن كمال قدرته كما تقدّم ، وكأنه يتصرف في الأرض التي أمرها إلى سلطان مصر ، كما يتصرف الرجل في منزله . وقرأ ابن كثير بالنون ، وقد استدلّ بهذه الآية على أنه يجوز تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر ، بل الكافر لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق . وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفى في قوله سبحانه : { وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الذين ظَلَمُوا } [ هود : 113 ] { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء } من العباد فنرحمه في الدنيا بالإحسان إليه ، والإنعام عليه ، وفي الآخرة بإدخاله الجنة وإنجائه من النار { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين } في أعمالهم الحسنة التي هي مطلوب الله منهم ، أي : لا نضيع ثوابهم فيها ، ومجازاتهم عليها .

/خ57