غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

54

{ وكذلك } أي مثل ذلك التقريب والإنجاء من السجن { مكنا ليوسف في الأرض } أرض مصر وهي أربعون فرسخاً في أربعين . { يتبوّأ منها حيث يشاء } هو أو نشاء نحن على القراءتين والمراد بيان استقلاله بالتقلب والتصرف فيها بحيث لا ينازعه أحد . { نصيب برحمتنا من نشاء } فيه أن الكل من الله وبتيسيره . وقالت المعتزلة : تلك المملكة لما لم تتم إلا بأمور فعلها الله صارت كأنها من قبل الله تعالى ، وعلقوا أيضاً المشيئة بالحكمة ورعاية الأصلح . والأشاعرة ناقشوا في هذا القيد . { ولا نضيع أجر المحسنين } لأن إضاعة الأجر تكون للعجز أو للجهل أو للبخل والكل ممتنع في حقه تعالى . { ولأجر الآخرة خير } من أجر الدنيا أو خير في نفسه . وفي قوله المحسنين وقوله : { للذين آمنوا وكانوا يتقون } إشارة إلى أن يوسف كان في الزمان السابق من المحسنين ومن المتقين ففيه دلالة على نزاهة يوسف عن كل سوء . قال سفيان بن عيينة : المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة ، والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق . يروى أن الملك توجه وختمه بخاتمه وردّاه بسيفه ووضع له سريراً من ذهب مكللاً بالدر والياقوت فقال له : أما السرير فأشدّ به ملكك ، وأما الخاتم فأدبر به أمرك ، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي . فقال : قد وضعته إجلالاً لك وإقراراً بفضلك . فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوّض الملك إليه أمره وعزل قطفير ، ثم مات بعد فزوّجه الملك امرأته فلما دخل عليها قال : أليس هذا خيراً مما طلبت فوجدها عذراء فولدت له ولدين : افراثيم وميشا . وأقام العدل بمصر وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها ، ثم بالحلي والجواهر ثم بالدواب ، ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعاً فقالوا : والله ما رأينا كاليوم ملكاً أجل ولا أعظم منه فقال للملك : كيف رأيت صنع الله بي فيما خوّلني مما ترى ؟ قال : الرأي رأيك . قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم . وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطاً بين الناس .

/خ68